الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

أمان ....4



دخل أمان غرفته ليتفحص كتبه الجديدة ويختار الكتاب الذي سيصاحبه في الأيام المقبلة وكان الإختيار صعب فكل منها يبدو الأفضل ...حسم أمره واختار واحداً منها ثم ألقى نظرة على مذكراته التي تحمل خواطرتصف أجمل أيام حياته وأسوأها على الإطلاق وعندما تصفحها لاحظ كيف أن الأوراق تتطاير وكأنها تملأ جو السماء وتبلغ ما قدر لها أن تبلغ ...تعمد أمان أن يجعل من كل صفحة من صفحات حياته شيئ منفصل وغير مرتبط بما بعده أو قبله , لقد مل التسلسل والإرتباط ..الرتابة والمنطق ,أراد أن يتواصل مع نفسه في كل مرة يكتب فيها ومن جديد ,وعندما يكتب عن موقف من مواقف حياته كان كمن يصف مدينة و يحدد موقعها وعندما يتنقل بين مدنه كان يشارك نفسه حقيقته .



لم يحب في حياته أكثر من التعبير عن نفسه إن كان بالكتابة أو الرسم فمنذ كان صغير كان يسجل ملاحظاته في قصاصات من الورق ثم لا يلبث أن يضيعها ...يذكر الآن كيف عبر عن نفسه ووصف أدق تفاصيل شعوره مرات عديدة , ربما كان هذا هو السبب الذي جعله لا يتسم بالغضب تجاه أي موقف أو حدث ,صحيح أن هناك مواقف تحُزن وتُؤلم في وقتها لكنها سرعان ما تفقد سطوتها خصوصاً بعد الكتابة فمع تساقط الحروف على الورق يتفكك نسيج الموقف المحزن والذي بدا وكأنه متماسك ويبدو كل شيئ واضح ويبقى عليه الإختيار بين أن يعتبره مصدر معلومات أو مصدر ازعاج لكنه قلييييلاً ما يُغضب ...التعبير عن الشعور بوقته وبأي اسلوب كان يعمل على استقرار الروح وصفاء الفكر.

وبينما كان أمان يرتب أوراقه التي تناثرت إذ دخلت الغرفة ابنتا شقيقته الصغيرتين فقالت الأصغر سناًوكانت في الثالثة من عمرها :أتصدق بابا أمان أن غالية بكت في المدرسة اليوم ؟
حقاً؟لم بكيب يا غالية ؟
اليوم فقط .
وبكت في الأمس أيضاً أضافت الصغيرة
وجه امان انتباهه لغالية تاركا لها الوقت الكافي لتستجمع شجاعتها وكلماتها ...لقد خفت من أن يتركوني في المدرسة وأبقى وحيدة .
كيف يتركونك ومعك في نفس المدرسة أختك وبنات خالتك ؟
أعلم بابا أمان ولكني ظننت أنهم سينسون أنني حضرت معهم في الصباح وأبقى وحيدة.
قالت كلماتها تلك وهي تنظر للمنديل الذي بيدها تطبقه مرة وتفتحه مرة أخرى إلى أن أنهت حديثها ...ثم رفعت رأسها ونظرت لأمان وقالت :لكنني توقفت عن البكاء أتدري لماذا؟
لماذا ؟
لقد قالت لي صديقتي :لا تخافي المدرسة بها الكثير من المدرسات ’لن يتركونا سيبقون معنا طول العمر .
ضحك أمان من القلب وهو يسمع الرد الجميل والمريح والطريف من طفلة تهدئ طفلة وقال لغالية :لا يمكن أن تُتركي في المدرسة أو ينسونك في يوم من الأيام .
ردت غالية أعلم أعلم ولن أبكي ثانية .
وعد؟
وعد.



وطافت بخاطره ذكرى مشابهة ,يوم أن اصطحب ابنته لرياض الأطفال في يومها الأول وكيف كانت تبكي وكأنها لن تراه مرة أخرى وهو يطمئنها سأعود ,سأعود بعد فترة وهي تواصل البكاء وكأنها لا تصدق أنه سيعود ,يتصور الطفل أن لحظة دخوله المدرسة هي لحظة إنفصاله وفراقه عن والدية إلى الأبد ....انتزعتها المدرسة من يده وقالت له :اذهب ,لا تقلق ...كم رق لحالها وكأنها ستقتل نفسها من البكاء ,ود لو أنه ماتركها ولكنه فعل .....وعند انتهاء اليوم الدراسي وأول ما وقعت عيناها عليه ركضت باتجاهه بفرح لا يمكن وصفه ,أمسك يدها وهي تتقافز فرحة به ...ستعود للبيت ولن تترك في تلك البيئة الجديدة عليها كلياً ,سألته :أبي .
نعم .
ستأتي كل يوم لتأخذني ؟
سأفعل
ولن تتأخر؟
لن أتأخر
في السيارة نظرت له نظرة من هو محتار من شيئ ما وأردفت :
لدينا في الروضة (رياض الأطفال) العديد من الفراشات (عاملات نظافة ) ؟
حقاً؟
نعم لكنهن لا يطرن .
ضحك أمان يومها من خلطها بين عاملات النظافة والحشرات وأوضح لها الفرق .... وتذكر أنها منذ ذلك اليوم لم تبك فقد وثقت به ...وثقت في أنه سيعود .



استغرق أمان في ذكرياته لدرجة أنه لم ينتبه لصوت غاليه وهي تناديه فأمسكت وجهه بكلتا يديها وقالت :بابا أمان ,ما رأيك أن تأتي لتصطحبني في نهاية يومي الدراسي في الغد .
هذا رأي غير جيد ,رد أمان .
ولم؟
لأن لدي عمل ضروري علي أن أنُجزه .
كم تمنيت أن تصطحبني ولو يوم واحد ,ونظرت له نظرة لم يستطيع أن يقاومها ...قال لها :أعدك أنني في يوم ما سآتي وأصطحبك للمنزل .
سيكون أجمل يوم في حياتي ,وقبل أن تكمل قالت الصغيرة:وأنا أيضاً.....وأنت أيضاً .




ما أصعب لحظات الفراق ... هو الكبير لم يملك الشجاعة ولو مرة واحدة ليجعلها بلا دموع ...فراق بلا دموع ؟ مستحيل ,كم توسل لعينيه أن تحبسا الدمع إلى أن يغادر الطرف الآخر لكنهما لم تفعلا ,كم كانتا عنيدتين ’كم توسل لقلبه أن لا يضعف ويمثل حتى ولو تمثيل دور الشجاع لكنه عصاه ....جيد أن يعي أمان ,ويرى بوضوح ويعترف بواحدة من نقاط ضعفه .



الجمعة، 24 ديسمبر 2010

أمان ...3






أسند أمان ظهره وأرخى جسده في مكانه المعهود بعد تناول وجبة الإفطار وأغمض عينيه مستمع لصوت المذياع وخلال لحظة ’فقط لحظة سافر بفكره إلي مكان وزمان بعيدين .....يوم أن كان صغيراً وبالتحديد وقت الإفطار الزاخر بالحركة والصخب وأصوات الأطفال المختلطة بصوت المذياع الذي يشق طريقه ليُسمع من يمشي في آخر الشارع ,لم يكن والد أمان يعاني من ضعف السمع ولكنها طريقته ومزاجه في الإستماع ...الله يكون في عون الأم على كم الإزعاج هذا ...من ينظر لهاوهي تُعد الإفطار يعتقد أنها تقول في نفسها (استعنا بالله على هذا الشقاء,الحمد لله أنه يوم واحد ).





قديماً كانت الإجازة الاسبوعية يوم واحد ....وعلى الرغم من ذلك إلا أن والد أمان كان يمُشيه على نظام معين الإستيقاظ في الساعة السادسة صباحا ً ,الإفطار في السادسة والنصف ويتساءل أمان الآن بينه وبين نفسه :ما الحكمة من الإستيقاظ المبكر ..لم لَم يتركنا والدي ننعم بقليل من النوم في ذلك اليوم ,يوم الإجازة الوحيد اليتيم ؟





ربما لأننا لا نتناول إفطارنا معه بحكم خروجنا من البيت باكراً بينما كان يغط في نوم عميق ,ربما أراد لنا أن لا نخل بنظام الإستيقاظ ربما أراد أن يقضي أكبر فترة ممكنة معنا ,ربما كان يشتاق لللمة الصباحية بحكم نشأته يتيم لم يرى والده وأراد أن يشعرالأبناء بوجوده معهم ....’ربما أراد أن يُشعر الطفل اليتيم داخله بدفء الأبوة و يملأ مكاناً ظل فارغاً منذ فجر طفولته ,ربما نظر والدي للأمر من هذه الزاوية ...ولم يدرك كم كان حلمه غالي الثمن وكم كانت لحظة الإستيقاظ بالنسبة لنا صعبة .




ورغم صعوبة الإستيقاظ باكراًإلا أنه ضروري في نظر والده ولا يبدأ إفطاره إلا بتواجد الجميع .... وبالطبع هناك من يحاول أن يتمرد ويقتطع لحظات من النوم فيتأخر قليلاً لكن حركات التمرد هذه سرعان ما يُقضى عليها في حينها ,لقاء الجمعة الصباحي قانون كطابور الصباح .





هناك وضع محير يتكرر في كل مرة وهو أن والده عندما ينجح في طرد شبح النوم عن أولاده ويجعلهم في قمة نشاطهم وحيويتهم وينسون قصة النوم هذه نهائياً ليس لعدم رغبتهم فيه ولكن لسبب واحد هو أن عليهم الإنتباه لعين الوالد التي كانت تلاحظ وتكتشف أي محاولة للنوم أو النعاس من أن تقترب منهم ,هو يريدهم حضور جسدياً وذهنياً وفي هذه الفترة بالذات يسمح لهم بأن تتعالى أصواتهم (آه كم رغبت بالنوم في تلك الأيام قالها أمان في نفسه) كان حلما جميلاً وبعيييييد المنال ......الوضع المحير كان وضع الوالد فسرعان مايستسلم لنوم عميق بجانب جهازه الذي يصدح بصوته العالي .......(نام أبي ) يقول بعضهم لبعض وعندما يلاحظ الأبناء نومه تبدأ المناوشات بينهم وعينهم على والدهم لأنهم يدركون أن نظرة واحدة منه كانت كافية ليتجمد الجميع في مكانه وهذه فرصتهم للتصرف على طبيعتهم الشقية ,في حضور الوالد كانوا كالملائكة وعندما يغيب يتحولون لشيئ آخر يصعب السيطرة عليه .






تذكر أمان كم كانت تسعده الزيارة الصباحية لجدته والتي كانت تتفقد ابنتها وأحوالها مع هذا الكم الكبير من الأبناء ,كان قدومها يضفي جو مختلف تماماً ,يتحلق الأطفال من حولها تمازحهم وتقص لهم القصص لتخفف من شقاوتهم ولتريح ابنتها من ازعاجهم تدرك بحسها نوع الإهتمام الذي يحتاجه كل منهم ... لقد كانوا بحاجة لطاقة شخصين أو ثلاثة لتتم السيطرة عليهم ..... وكانت الجدة تملك كل تلك الطاقة وهذا يعود لكم الحب الذي تحمله لهم ولتمتعها بمهارة من نوع خاص .







تذكر يوم أن بكت والدته عندما فشلت في السيطرة على أحد الأبناء ....تذكر عندما جلست بجانبها والدتها وقالت لها : استعيذي بالله من الشيطان الرجيم ,البيت لا يكون جميل بدونهم ,إنها مسألة وقت ,سيكبرون وستجدين منافعهم ,كانت والدته سيدة عاقلة حنونة وطيبة إلى حد بعيد , تذكر أمان ألم والدته وقلة حيلتها .........ترقرقت عيناه بالدموع لكنها أبت أن تنزل على وجنتيه فحفظ لها رغبتها ومسحها ومسح معها ذكرى ثقيلة فرضت نفسها عليه يوم أن سمع صوت المذياع .



نهض أمان من مكانه واتجه نحو النافذة وكأنه يفك ارتباطه بتلك التجربة ويبعد عنه اجتياح المشاعر وينتشل نفسه من أعماق تجربته.


الاثنين، 20 ديسمبر 2010

حدث داخل إطار الكلمة







عندما يستوقفنا حدث مؤلم من أحداث حياتنا , من ألمنا ننسى إنه تجربة ....فقط تجربة ونطلق على تجربتنا هذه واحد من الأسماء التالية مأساة أو غلطة عمر أو حظ عاثر فنكسبها تأثير وهيمنة على تفكيرنا لتأخذ من وقتنا الشيئ الكثير أكثر مما تستحقه .

ما نطلقه على أي حدث يجعله داخل إطار الكلمة التي اخترناها ولكي نغير التأثير السلبي لتجاربنا السلبية علينا أن نختار إطار أكثر تفاؤل ليحد من نظرتنا السلبية لها ويحد من تأثرنا السلبي بها كأن نقول تجربة جاءت بمعلومة جديدة أو نقول تحدي جديد وبسيط ...سؤال واحد كفيل بتغيير توجهنا هو :هل يوجد في هذه التجربة فوائد أو حتى فائدة واحدة ؟





أكيد كل تجربة مهما كانت مؤلمة بها فرصة لمعرفة شيئ جديد عن نفسك أو عن الآخرين .....أكيد أنها ألقت الضوء على شيئ جديد لم تكن حتى تعرفه ,بما أننا نستطيع أن نرى الأشياء فنحن نستطيع أن نراها بصور مختلفة ألا يقولون أن نظرة كل واحد منا للأشياء تختلف عن الآخر ... حسناً فالننظر لها بعين إنسان ندرك أنه يتمتع بالحكمة وسداد الرأي ,إنسان ليس غارق بالماديات ,إنسان روحة متحررة من قيود الكبرياء الذي يجعل الواحد منا يريد أن يكون دوماً على حق دون النظر للحق ,وبدلاً من أن تلتقط أعيننا اللون الأسود والأبيض كالكاميرات القديمة ,دعنا ننظر للأشياء بكاميرا حديثة تلتقط كل الألوان بدرجاتها وتكسب حتى اللون الأسود جماله ...وتقرب لنا الأشياء الصغيرة الدقيقة التي لم نكن ننتبه لها ولنعمل زوووووم فنراها واضحة ونشكر الله عليها ,الأشياء الصغيرة الجميلة هي الخلفية التي تجعل من مواقفنا تحفة فنية بها كم كبير من الفوائد .





تفسير مواقف حياتنا من قلب شاكر تختلف عن تفسيرها من قلب لن نقول جاحد ولكن متخاذل ومتشاءم ,ونوع التفسير يعطي تفكير ونتائج ومشاعر تناسبه بالضبط ....قد لا ننجح في المرة الأولى أو الثانية لكننا سننجح حتما إن ركزنا على الفوائد لا العقبات أو المنغصات ,أي موقف محبط عندما نجتازه نصبح أكبر منه ولن نخفق مستقبلاً في التعامل مع ما يشابهه ,لكل موقف في حياتنا زوايا وليست زاوية واحدة فإن اخترنا زاوية بعينها وتركنا الباقي فقد قمنا بذلك لأننا اعتدنا على طريقة في التفكير أو لأن طريقتنا هذه تحقق لنا فائدة ما ,وهذا لا ينفي وجود الزوايا الأخرى أو يعفينا من مسئوليتنا في الإختيار .....اختيار اسم مناسب لمواقفنا وتفسيرها بكلمة تحمل معنى من معاني التفاؤل يجعلنا نكتشف أنها اكتسبت شكل جديد .

السبت، 18 ديسمبر 2010

العقد الثمين





إن أفضل أنواع الدعم الذي ممكن أن تحصل عليه ويقودك نحو أهدافك هو الدعم الداخلي ,تلك الصورة التي تمثل حالة مستقبلية ...فتملك من القوة ما يجعلها تفرض سطوتها على حاضرك بتفاصيل مشجعة بوضوح مما يجعلك تركز على لحظة تحقيقك لهدفك فتتجمع جهودك لتصب عنده وتدفعك رغبة قوية في الإنجاز وتلفت انتباهك إلى الوسائل التي تجعلك تركز على الإنجاز دون غيره لتصل بك إلى الحياة التي تطمح لها وتحول تجاربك الحياتية إلى تجارب فعالة ومثيرة للإهتمام و وستلاحظ كيف أنها تدير الحوار الداخلي وتطرح أسئلة تدفعك للتفكير وتحفزك للتصرف والتعامل مع تحدياتك بطريقة مختلفة تفحص فيها ردود أفعالك السابقة وتدرك وتتعرف على طرق جديدة الأسئلة المناسبة تجعلك تتعرف على ما تريده ... بالضبط وكيف تهيئ نفسك شعوريا ولا شعوريا لتصل إليه ’وكيف تحافظ على مسارك حتى في الأوقات التي تبدو فيها أهدافك بعيدة المنال فتحافظ فيها على درجة تصميمك ....في وقتها يكون هذا هو كل ما تحتاجه فلا تلهيك مواقفك الضاغطة معها وحولها بعيداًعن أهداف حياتك بل ربما تحفزك لتتحدى حتى نفسك .










هناك حقيقة اكتُشفت حديثاًوهي أننا نساهم في تشكيل واقعنا من خلال طريقة تفكيرنا ,...قد تتشابه أحداث حياتنا في مكان ما ومرحلة من مراحل عمرنا لكن تختلف فيها رد ود أفعالنا ...تجربة واحدة وردود أفعال متباينة سبحان الله ,حتى أننا عندما نتذكرها فإننا نتذكرها بصور مختلفة وكأنها تجارب مختلفة فينظر كل منا لتجربته من خلال مايحمله في نفوسه وما تأثر به ودرجة عمق تفكيره وكأن كل منا يملك حقيقة خاصة هومتيقن من صحتها .







لكل منا نظام يعيد به داخلياً صياغة المعلومة التي يتلقاها من الخارج واختلافنا في انتقاء حاسة دون غيرها في ادخال المعلومة وتفسيرها واختلاف اتجاهاتنا يكون وراء أسباب الخلافات بيننا أو سوء الفهم ,الأمر يشبه أن نتكلم لاسلكياً على موجتين مختلفتين ويبدو الوضع عند حدوث الخلافات وكأن وجود أرضية مشتركة بيننا من سابع المستحيلات ...كل منا يظن أنه على حق وأن الخطأ يغطي الطرف الآخر من رأسه إلى قدميه .






تختلف انطباعاتنا عن الأشياء تبعاً لطريقة ملاحظتنا ...هل نلاحظ أوجه التشابه أم الإختلاف ؟هل نعتمد على مانرى أم ما نسمع ؟ هل ندرك ملكاتنا التي نتمتع بها ونستغلها استغلال كامل ؟ أم أننا لا نلتفت لها لأنها مقدرة طبيعية ولا نعتبرها حتى ميزة ,هل نوظف مهاراتنا بطريقة إيجابية أم أننا نجمع بها حولنا الأشياء السلبية , عندما نتعرف على أنفسنا أكثر ونتعرف على نواحي الإختلاف بيننا وبين الآخرين ونفهمها فهم تام فإننا نفهم الحدث الذي كان موضع خلاف فهم عميق وثري ونرى الأشياء بصورة مختلفة عما سبق ونتواصل بطريقة جديدة ونستمع للآخرين بشكل صحيح ونتذوق تجاربنا تذوق الطاهي المتمكن , والأهم من ذلك فإننا نستطيع أن نضع أهدافنا بطريقة تجعلنا نراها واضحة أشد الوضوح ....وسهلة المنال مستغلين في كتابتنا لها كافة حواسنا فنرى أنفسنا وقد حققنا النجاح التي نطمح له ونسمع كلمات الثناء ونشعر بالفرحة العارمة ونثري واقعنا .









عندما يختلف طرفان فليس هناك طرف طيب وآخر شرير ,لا يجب أن نطلق الأحكام ...هناك فقط خطأ يتكرر فقط وعلينا أن نتمتع بحب الإستطلاع والشغف لنتعرف على مكان الخلاف ونسأل أنفسنا أسئلة تكشف جوانب أخرى وتجمع معلومات تسحب من تلك الخلافات قوتها السلبية وتنير عقولنا بنور المعرفة .....واعتبار أن الفشل أو الإخفاق هو أحد أشكال التغذية الإسترجاعية لذا هو مهم وليس محبط ’هو مصدر للمعلومات نصل به إلى النجاح فإن عرفنا سبب فشلنا فإننا سنعرف ما الذي نحن بحاجة لتغييره سواء كان فكرة أو سلوك ,عندما نتعرف على الطريقة التي يفسر بها الآخرون المواقف فإننا نستطيع أن نسايرها فنفهمهم ونغير ونعدل من طريقة تواصلنا معهم .





علينا أن نتعامل بجدية أكثر مع أنفسنا وأهدافنا وتجاربنا ونمنح أنفسنا وقت مُنتقى نسأل فيه : (ما الذي أرغب في تحقيقه ؟ )ثم نقوم بصياغة أهدافنا بطريقة متقنة وكأننا نصوغ عقد ثمين .....لأنها أفضل منه ثم نتفقد ذلك العقد كل يوم حتى نتذكره بكل تفاصيله ويكون لدينا حس قوي بالمسئولية تجاهه فلا نضيعه ,وعندما نصطدم بعائق ما , يحول بيننا وبين حفظه علينا أن نطرح أسئلة حوله لنجمع كم كبير من المعلومات التي تبسط وتفسر وتوضح لنا كل ما يلزم لاجتيازه .




كن على دراية بأنك تبقى في حالة تعلم مدى الحياة فكن راغب في التلقي والإستزادة من العلم الذي تحصل عليه .



الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

أمان ....2


تعود أمان أن يجلس في مكان معين من الصالة التي تجمع أفراد الأسرة معظم يومهم باستثناء الأوقات التي يكونون مشغولين بها بأمورهم الخاصة أو لديهم أعمال ينجزونها خارج المنزل أما بقية اليوم فالكل متواجد ....كم أحب أمان تلك الفترة التي يكون بها الجميع حضور ,وكان له مكان معين بجانب النافذه نادراً ما يغيره حتى أن الأبناء إن صادف ولم يكن أمان موجود في مكانه كأن يكون في غرفته أو خارج المنزل فإنهم يجلسون في ذلك المكان ...ربما لأته محجوز دائماً لكن بمجردما يحضر أمان سرعان ما يعود المكان خالي ليجلس فيه .






استيقظ أمان ذلك اليوم كعادته مبكراً ,مع أنه يطيل السهر إلا أنه يحب الإستيقاظ مبكراً ربما ليرقب شروق الشمس من نافذته ومكانه المحبب إلى نفسه ,اغتسل ولازم مكانه متأمل وشاخص ببصره في ذلك المكان الشاسع الممتد أمام منزله ....لم يتعود أمان أن يوقظ أي من أفراد أسرته أو يُحدث جلبة أو يطلب إفطار الصباح ربما لأنه يعتبر ذلك الوقت خاص له يعيش به مع نفسه ...تجاوز بصره تلك المساحة الكبيرة أمام بيته وانتقل لمكان آخر ,يوم أن كان صغير حيث كانت والدته منغمسة في أعمال المنزل وهو وإخوته متحلقين حول والده فترة الظهيرة ...كثيراً ماكان والده يجمعهم ربما ليملاً لهم في تلك الفترة ذكريات ويرسم لهم طريق يستعينون به في تربية أبنائهم مستقبلاً ....فكيف كان يفعل ذلك ؟






والد أمان كانت لديه قوانين وكان نظامي إلى حد بعيد وفترة الظهيرة كانت فترة مخصصة للنوم ...رغم أنف الجميع فيطلب من الأبناء الإستلقاء بينما يقص لهم قصة من قصصه المرعبة من التي تتحدث عن امرأة تأكل الأطفال ....ويروي تفاصيل وتفاصيل التفاصيل عن شكلها وطريقة حركاتها ونظراتها ويقلد درجات صوتها التي تنخفض وترتفع حسب الأحداث .....ويبتسم الآن ابتسامة أشبه بالضحكة وهو يتذكر تلك الأيام فكيف يتوقع والده منهم النوم وهو يتكلم عن أحداث مشوقة ومخيفة وبها الكثير من المفاجآت ....لا عجب أنهم لم يناموا حتى وإن غطوا أعينهم بالملاءات وعادوا ليكشفوا عن جزء منها بين فترة وأخرى ,أراد أن يتبع طريقة تلقاها وهو صغير ولم يدرك أنها خطأ إلا الآن ....يا الله كم من الأخطاء تستمر وتتوارثها الأجيال !






رجع أمان بذاكرته لذلك المكان حيث أن قصص الرعب لم تفيد مع الأبناء كما هي دائماً وعندما ييأس من جلب النوم لهم كان يأخذهم لغرفته ذلك المكان الخاص ويطلب منهم أن يجلسوا بهدوء ويسمعهم أغاني قديمة من جهاز التسجيل أو يسمعهم أشعار لشعراء قدماء أيضاً من جهاز التسجيل أو شعر يحتفظ به في ذاكرته وغالباً تبدو قصائده وكأنها لن تنتهي وكنوع من التجديد كان يغني لهم تلك الأشعار ...وتطول الفترة معه وكأنها عقاب لهم لأنهم لم يستسلموا للنوم ...ويتململ الأطفال بيأس ويتمنون مغادرة الغرفة إلا أن هذه الأمنية كانت من أبعد أُمنياتهم ....وأبعد أحلامهم , إلا إن حدثت معجزة ’البعض منهم ينام من الملل والبعض الآخر ينظر له نظرة رجاء بالتوقف لكنه لا يفعل ....حتى يصدح صوت المؤذن لصلاة العصر ,يعلم الأبناء أن موعد الصلاة لا يؤجل فينفضوا من حوله وكأنهم سمعوا جرس المدرسة ......وهو في عز انسجامه يتركوه ,ليعود أمان ليبتسم من جديد قد كنا مع أبي كشهرزاد في قصة ألف ليلة وليلة ......أنقذنا الأذان وأنقذها صوت الديك .




استيقظ أحد الأبناء ليسحبه من ذكرياته بابتسامة مشرقة ثم ثني ,هل تناولت الإفطار؟
لم أفعل ...وهل يحلو الإفطار إلا بكم ورمقه بنظرة من خلف النظارة لها معاني يدركها الإبن ؟
الله يديمك لنا ..ما أجمل هاذه لنظرة !
اترك عنك هذا الكلام واستعجل الإفطار .
حاضر ....أتريد صحيفة اليوم ؟
لا اتركها للغد.
أسرع الإبن ليقبل رأس أمان ...حركات ..ودمك خفيف .
أأذهب أنا وأُحضرها ؟
سأذهب سأذهب لم تمضي لحظة على قولي دمك خفيف.

الجمعة، 10 ديسمبر 2010

جرب أن تبتسم لغريب




تصاحب كل موقف من مواقف حياتنا فكرة إيجابية وفكرة سلبية ونحن نختار من بين هذه الأفكار ما اعتدنا أن نختاره ونستخلصه منها .....يؤثر علينا أثناء اختيارنا توجهنا العام ,هل يميل للسلبية أم الإيجابية والفرق في النتيحة يكون شاسع وكبير بدرجة تغير نوعية الحياة فيما إن كانت مريحة أو مملة أو حتى مقلقة ...لم ؟


لأن أفكارنا وما ركزنا عليه وما اخترناه يعمل كالمغناطيس يجذب ما يماثله بطريقة لا نشعر بها وبكثافة لن نتخيلها لتأتي طريقة تعاملنا مع تحدياتنا وفق ذلك المخزون من الأفكار ويتعدل بعدها وضعنا أو يتردى حسب نوعها .




فإن كنا ممن اعتاد أن يفكر بطريقة سلبية فإنه سيدرك كم السلب الذي اجتذبه بطريقته تلك وستبدو حياته فعلاً بذلك السوء ....أحياناً تكون الخطوة الأولى في تغيير الوضع سهلة جداً لكنها جريئة في نفس الوقت وغريبة ويعدها البعض سخيفة لكنها خطوة ضرورية وفعالة ...إنها الإبتسامة .


ستجعلك تشعر بطريقة مختلفة ستشعر بأنك أكثر إيجابية وسعادة ...ونتيجتها فورية ,جرب أن تبتسم في وجه إنسان غريب . عنك كعامل النظافة ,موظف في مكان عملك لا تعرفه معرفة شخصية ’أو أي إنسان تصادفه في طريقك .....لا تخف لن يعتقد أنك مجنون .......أحياناً نكون في صحة غير جيدة ويكون فقط مجرد ذهابنا للطبيب سبب في شفاءنا حتى وإن لم نأخذ الدواء ....يحتاج منا تعديل وضع ما أو حل تحد ما إلى بذل السبب فقد والباقي يسهله الله علينا ....في هذه الحالة الإبتسامة تشبه الذهاب للطبيب (بذل السبب ).






هناك أفكار تلقائية تأتينا كل يوم ....قد تكون سالبة أو إيجابية .... و يبقى علينا أن نكتشفها ونرصدها ثم نتساءل بيننا وبين أنفسنا هل هي تساعدني ؟أم تجعل حياتي أصعب؟


حاول أن تنتبه للأفكار السلبية منها وترصدها ولك الخيار حينها في أن تبدلها أو تحذفها أو حتى تهملها وتبقيها على مسافة بعيدة عنك .




اعتدنا عندما نتكلم عن الإيجابية أن نسأل سؤال قديم وهو :كيف حال كوبك اليوم ؟


وتبين نوع الإجابة نوع اتجاهك وتركيزك هل هو يتجه للسلب أم الإيجاب فتقول مثلاً


نصف ممتلئ أو تقول


نصف خالي


الإتجاه الإيجابي والنظرة الإيجابية لكل شيئ في حياتنا ولكل موقف هو مفتاح إدارتنا لحياتنا وهو الفلتر الذي يصفي أفكارنا ويطرح منها السالب ,نحن لا نقول أن علينا أن نتجاهل الأشياء المزعجة في حياتنا ولا نرى إلا الأشياء الجيدة أو المواقف الجيدة ...هذه ليست إيجابية .


إن الإيجابية تعني أن نواجه مواقفنا التي لا تعجبنا بأفكار إيجابية وروح إيجابية نحمي بها أنفسنا من أن تهدر طاقتها بالأفكار وبالمشاعر السالبة


التفكير بطريقة إيجابية يجدد الحياة من خلال تجديد الأفكار وتبديلها وتفعيلها لتأخذ دورها في تسيير حياتنا بطريقة مختلفة ...فإن كان الدواء القديم لا يعالج عرض فليس من الحكمة الإستمرار في تناوله ...جرب شيئ آخر .




أحياناً يكون الحديث الداخلي ...ما نقوله لأنفسنا منطقي وله سبب وأحياناً لا منطقي وليس له سبب نؤلفه ونختلقه بسبب قلة معلوماتنا عن حدث ما ,علينا أن نتحقق من أي وضع قبل أن نقحم أنفسنا بالسلبية من خلال أفكار خالية من الصحة مرتكزة على الظنون ومواقف سابقة .


إن كانت لنا أفكار يغلب عليها الطابع السلبي فإن نظرتنا العامة في الحياة سلبية ,فدعنا لا نغرق أونعلق أكثر بها .,دعنا لا ننكر أن لكل موقف جانب إيجابي مهما كان مخفي عن نظرنا ,دعنا لا ننكر أننا اخترنا أن نتجه بتفكيرنا ليلتقط الجوانب السلبية .....ربما لأن نظرتنا لم تكن عميقة ,استخدمنا فيها بصرنا دون بصيرتنا .



الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

مارد الغضب


الغضب عاطفة أساسية طبيعية وهي وسيلة بناءة إيجابية تمدنا بالطاقة العاطفية والجسدية حين نحتاج لحماية أو حاجة لنداوي جروحنا لكن لا يجب أن نستغل هذه الحاجة ونطلق العنان لها لتكبر بصورة منفرة ومخيفة ونستغلها بالإساءة والأذى والعنف والتدمير ’للغضب قوة وقد تكون رهيبة وعندما تنفجر فلا يمكن أن نتوقع مدى ما تسببه من دمار للآخرين لكن أول من يتأثر بعواقبها ....نحن (مُطلقوها) .






مهما كان الإحباط الذي نشعر به أو التهديد أو العنف والخسارة فلا يجب أن ينسينا هدوئنا وقوة التسامح التي نملكها في قلوبنا والصفح الجميل ببساطة لأن الدنيا لم تكن آخر همنا ...وهذه ليست دعوة للتخاذل أو التنازل عن الحق وإنما أخذه بصورة راقية بعيدة عن نزق الشيطان وهذا أساس السعادة في الدنيا أن لا نتعصب لأنفسنا وآرائنا ولا لأي من مغريات الدنيا .






عندما نطلق العنان لغضبنا فإننا سندمر صحتنا وندمر علاقاتنا ,ممكن للغضب إن تملكنا أن يجعلنا ننفجر في أسوأ توقيت وأسوأ مكان .


كنت في زيارة عائلية فدخلت بعد فترة هدى وكانت في حالة يرثى لها ,جلست في أقرب مكان شاغر وقالت بصوت مخنوق تغالبها الدموع فتزيل نظارتها وتمسح دموعها .....كنت أقود سيارتي كالعادة لا أخالف فيها القوانين ولا أتجاوز سرعتي وانعطفت بصورة طبيعية بعد أن تأكدت أن السيارة الأخرى بعيدة عني تماماً وعندما أنهيت الإنعطاف فإذا بصاحب السيارة وكان يقود سيارته بسرعة جنونية يكاد أن يصطدم بسيارتي .....قد كان بعيد لكن سرعته كانت غير عادية ,فماذا فعل ...لقد أطلق علي وابل من كلمات السبات التي طالتني وطالت أهلي الأحياء منهم والأموات ,فنزلت من جديد دموعها ,رق قلبنا لحاها منا من قدم لها كأس من الماء ومنا من واساها بكلمة طيبة وبعد أن تمالكت نفسها أردفت هل تظنون أنه اكتفى بذلك لقد لاحقني بسيارته لست أدري ماذا يريد .....لقد شعرت بالخوف الشديد لكن حدث شيئ لست حتى أصدقه .....من شدة غضبه لم ينتبه واصطدم بسيارة كانت تمشي أمامه ,وخلصني الله من غضبه ,انتهت .








ماهو الشيئ في كامل دنيانا يستحق أن نروع إنسان بسببه أو نحزنه .؟.....ما التراكمات التي جمعناها كل تلك السنين لتتحول لمارد يحرق كل شيئ جميل ؟ ماالمعتقد الذي نحمله ويجعل كل ذلك مقبول أو حتى ذو فائدة ؟




عندما يتصرف إنسان بالغ كطفل ويستعمل قوته في إيذاء الآخرين ويغيب عقله فإنه يتنازل بإرادته عن مروءته .


وينتقص من أخلاقه بيده ويسيئ لنفسه إساءة كبيرة .


وينسى حقيقة أن الله يراه ...بسم الله الرحمن الرحيم (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ). فأين القلوب التي تعقل ؟

السبت، 4 ديسمبر 2010

أمان.....(1)


توقفت الأمطار وبدأت السماء تضيئ بأشعة الفجر الذهبية وبدا كل شيئ بعد الأمطار الليلية وكأنه جديد المنازل ,السيارات ,الأشجار سبحان الله وكأن الدنيا غُسلت بماء من فضة ما من لوحة يرسمها رسام تضاهي جمال مايرى ,إنه جمال يأسر النفس ويجعلها تتأمله بانشراح ,نظر أمان إلى ذلك السرب من الطيور وهو يتنقل بصورة جماعية بين أجزاء شجرة طالما أحب أن ينظر إليها ,خفض نظره وتابع سيره بخطى متثاقلة ...ربما لأن لا وجهة لديه وربما ليوفر طاقته ليبتعد أكثر ....كم تمنى لوكان يملك من اللياقة ما يمكنه من المشي بطريقة تشبه من لديه جناحان يعينانه ,لكن كم من الأماني تظل فقط أماني .




عندما شعر بقليل من التعب جلس على حافة الرصيف فوقع نظره على علبة أعواد ثقاب وجاء صوت من الماضي يذكره بجزء من موقف سرعان ما استُدعي بكل تفاصيله ,صورة والده بصوته الرخيم وهو جالس وحوله الأبناء يلاعبهم ويقلب علبة أعواد الثقاب لتصف في كل مرة يلقيها حسب الوجه الذي تستقر عليه العلبة ,حالة من أحوال أحدهم في ثلاث فترات من فترات حياته أولها ,وسطها ,آخرها ,فكانت مرة تصفه بالسلطان ومره بإنسان أقل نجاح ومرة غير ناجح بالمرة ...وفي كل مرة ينهي دور أحد الأطفال يتنافس الآخرون لحجز دورهم ويرتفع صوتهم بالضحك خاصة عندما تخرج كلمة غير ناجح ,ويشعر الطفل بالفخر عندما تخرج كلمة سلطان ...من علم الأطفال أن يرغبوا بالتعرف على المستقبل ؟....وعندما لا تعجب أحدهم النتيجة فإنه يحتج ويرغب بالإعادة وإن لزم الأمر يذهب بعيداً عنهم يرقب بعين غير راضية فيناديه الأب تعال سنعيد لك التجربة ,الغريب أن النتيجة تعيد نفسها فعلبة أعواد الثقاب تكون عنيدة ولا تجامل أو تحابي كالأب ...في كل مرة تستقر رأساً على عقب أو تقف بصورة رأسية تتعالى الضحكات ....الأغرب من كل ذلك أن أحوال الأبناء الآن تشابه ما صرحت به العلبة ......هبت ريح خفيفة حركت علبة أعواد الثقاب وفصلت أمان عن تلك الصورة القديمة واختفي صوت الأب والأبناء ,شعر أمان بالبرد فضم معطفه حول رقبته وأكمل سيره ....وقال لنفسه أنا حتى لم ألعبها مع أبنائي ,هناك شيئ خاص في أيام الطفولة يغمرك بشعور غني يجعلك لا تتخلص منه ويظل يذكرك بأيام جميلة ,تُرى ما الذي يذكره أبنائي عني ؟



من يصدق يا أمان أنك كنت في يوم ما طفلاً ...ما أسرع مرور الأيام ... أسند أمان رأسه براحة يده وسرعان ما أخذته ذكرياته لمكان آخر بجوار سرير أمه عندما كانت تغط في نوم عميق مسندة رأسها براحة يدها والتي كانت كثيراً ما تعاني من صداع يلزمها الفراش ....تذكر كيف كان يجلس بجانب سريرها كلما عاودها ذلك الصداع لم يكن يلهو مع اخوته ويهتم بشأنه ...كلا كان يهمه أكثر شأنها وأمرها ويلاحظ كل حركة تقوم بها ويرقب أنفاسها إن كانت تتردد أم توقفت ,منذ كان صغير كانت هي كل عالمه وكثيراً ما كان يتألم من معاناتها ويحاول قدر ما يستطيع أن يخفف عنها وفيما بعد بعد سنين طويلة ......وفي يوم رحلت وصار فجأة كهلاً تسارعت دقات قلبه وهو يتذكرها وكأنها ماتت الآن وانهمرت دموعه في سباق غير طبيعي لتخرج من زنزانتها ....لم يرغب أن يرى أبناءه مدى حزنه عليها فلم يرغب أن يكسر قلوبهم ,مسح أمان دموعه كطفل مستعيناً بكلتا يديه .



بدأ الجو يصير أكثر برودة وليس من الحكمة أن أستمر سيرى ....قال أمان لنفسه وقام من مكانه ليسلك طريق العودة وشعر براحة وصارت قدماه أكثر خفة وكأن الدموع أزاحت عنهما ثقل المشاعر وعندما وصل لمكان إقامته كان الجميع في انتظاره :أين ذهبت ؟

.شعرت بالملل وفكرت في أن أستنشق هواء منعش وكما تعلمون هواء الفجر شيئ مختلف .

حقاً ؟ولم لم توقظ أحدنا ليذهب معك ؟

.أردت أن أختلي بنفسي .

حسناً في المرة القادمة أوقظ أحد منا , لقد قلقنا عليك ؟

سأفعل ,وبينه وبين نفسه قال :في الأحلام .

الجمعة، 3 ديسمبر 2010

وجدت نفسي


بينما كنت أسير في دروب الحياة .....وجدت نفسي
فاستقطعت وقت كان مهدور على أية حال وسرت خلفها
وعندما رأتني
صرفت نظرها بعيداً ومضت في طريقها
فتبعتها
بادرتني بسؤال :ماذا عن اختياراتك ؟
أكنت تختار وأنت أعمى ؟
أيصلح كل وأي إنسان للصحبة
فقط لتتخلص من شعورك بالوحدة ؟
ماذا عني ؟ألم أكن معك ؟
لم تفعل شيئ لنفسك عندما اخترته
غير أنه زاد ذلك الشعور لديك
كم مرة يكون اختيارك خطأ ؟
وأين هم الآن ؟
هل أي شخص ممكن أن يملأ الوحدة؟
هناك أناس تشعر معهم بالغربة وليس فقط الوحدة
وتركتني لأجلهم
ماهي مميزاتي؟
أنت حتى لا تعرفني جيداً
فقدتني لأنك سرت خلفهم
زيفتني لتحظى برضاهم
فماذا عني ؟
أريد أن أكون كما أنا لا كما يرغبون
قد ابتعدت كثيراً فلم تبحث عني الآن ؟
أرهقتني
وصرت بالنسبة لي غريب
وصرت عنك غريبة
لم أتكلم .....طأطأت رأسي
لأني فعلت كل ذلك
فبادرتني بسؤال
ألن تعتذر ؟
قلت بلى
صمتت برهة وأطرقت
ماذا عساك أنت تقول؟
لم أجد كلمة أرد بها وتابعت صمتي
ابتسمت :لست سيئ أعلم ذلك
اظهر لي شيئ من التقدير
قلت :أعدك
قد آلمتني
قلت :أعترف
قالت
ويوم أن أعرف أنك صادق سأحرر قوتي
وأمنحك شيئ جديد
يوم أن أحظى بحبك كما أريد
لن تهتم لأي خسارة
سأقنعك أنها مؤقتة
سأدعمك بكل ما لدي
قد أعطاني خالقي فوق ما أريد
وسأمنحه لك ...كل ما لدي
وعندها
سيتبعك ما تريد رغماً عنه
لأنك لن تهتم له
فلديك كل ما تحتاجه ...وعادت معي.



الخميس، 2 ديسمبر 2010

كلماتنا الداعمة


عندما يكون اعتزازنا بذاتنا متدني فيمكن لاي شيئ أن يشكل تهديد حقيقي ويمكن لأي إهانة أن تأخذ بعد آخر ويمكن لمجرد نظرة ناقدة أو كلمة جافة أن يكون لها مفعول الكارثة ....ونسمي أنفسنا مع ردود الأفعال تلك (نفوس حساسة) ترى أن وراء الكلمة معنى آخر مستتر ومقصود حتى في الكلمات التي لم يقصد بها إلى معنى واحد ولم يُقصد غيره ......إنه الإعتزاز المتدني بالذات ,والشخص المُتباهي بنفسه والمستعرض لماعنده يعاني من اعتزاز متدني للذات والمتغطرس المسيطر الذي يُشعرك بأنك أقل منه يشعر بعدم الأهمية لذا يحاول أن يعوضها بالتغلب عليك فعندما يخاف أن تتغلب عليه يستخدم استراتيجيته تلك ليوقفك فبل أن توقفه .






الإعتزاز المتدني بالذات يقف خلف كثير من الصدامات والإحتكاكات مع الآخرين لذا ليس من الحكمة أن نلقي ملاحظات بها شيئ من النقد أو نسخر ولو بطريقة ودية أو ندخل في مناقشات مع من يعاني من ضعف الإعتزاز بالذات لأن ذلك يدفعه بصورة كبيرة في أن يكون أكثر صعوبة في التعامل معه. وأكثر نفور ..فإن أردنا ورغبنا بعلاقة أفضل علينا أن نشعرهم بأهميتهم ونساعدتهم في أن يحبوا أنفسهم أكثر ....إن كلمات الثناء تجعل الآخرين أكثر تعاون وتجاوب وتفهم ......البحث عن الأشياء الجيدة في الآخرين وإبرازها لتكون ظاهرة ومُقدرة حتى وإن كانت صغيرة لن يكون شيئ صعب أو مجهد ونتيجته مبهرة لتتحول العلاقات معه لتكون أكثر سلاسة.






من لا يستغل افضل مميزاته ليبني بها علاقات ناجحة هو لا يهدرها فقط وإنما لا يدرك أنه يمتلكها في المقام الأول ,كل منا لديه مخزون من الكلمات الجميلة الرشيقة المبهجة ,الدافعة الداعمة المحفزة ,المشجعة والتي تشرق معها النفوس فلم لا نتعامل بها بصورة يومية مع من نشعر أنه بحاجة لسماعها ؟عندما تكون كريم في الثناء على الآخرين (دون تملق) ستكون من أكثر الناس سعادة ,ما تقدمه للآخرين من شعور نبيل صادق من خلال كلمات الثناء والتي تُهدي لترفع من القيمة والأهمية وحب النفس والإعتزاز وتقدير أشياء موجودة ومطموسة ,أشياء وزعها الخالق بتمام عدله لكنهم قد لا يرونها لتأثرهم بأشخاص وظروف ليست جيدة يعود لك أضعافه وهذا ليس مجرد كلام يكتب ,جرب أن تقدم كلمة طيبة ولاحظ شعورك ,إنه شعور يرتقي بالنفس إلى درجات عالية ويحفظها من أن تلتفت للأشياء الصغيرة والتي قد تعد عند البعض كبيرة .


فإن أحب نفسه فستحب نفسك أكثر وستعتز بها أكثر وستثق بنفسك بصورة أكبر ,بالمقابل إن وجهت كلمات تؤثر على الآخرين سلباً وتضعف من حبهم وتقديرهم لذاتهم أو تقلل من قيمتهم ستجد من ذلك الكثير ...في نفسك .







حتى الناجحين المبدعين بحاجة للكلمة الطيبة الداعمة ,بحاجة للشعور بالأهمية والقيمة ....كل شخص في حياتك مهم مهما قل دوره ....حسناً أظهر له ذلك ولاحظ الفرق .