الجمعة، 26 أغسطس 2011

أمان .... ١٩


عندما حزم أمان أمتعته استعداداً للسفر وبينما هو يفتح خزانة ملابسه وجدها كالعادة ليست مليئة بالملابس فهو لايحب أن تمتلئ وإذا ما جاء يوم وفتحها فوجدها شبه ممتلئة فإنه يبدأ بالجرد حالاً وعندما ينتهي كان يقول في نفسه ( نعم هكذا أحب أن أراك ، تفين بالغرض ولا تحتوين على فوق ما أحتاج ) كم نحن بحاجة لأن نتخلص من عادات كل وظيفتها أن تشغلنا بها عما يفوقها أهمية وتسلب منها هدفنا .
هذه المرة عندما فتحها جالت في خاطره فكرة ... عجباً للإنسان يجمع ويجمع ما لا يحتاج له ويتهاون بدون قصد وأحياناً بقصد مايحتاج فعلاً إليه ..... حتى أنه عندما يغادر يرى بوضوح مدى تفريطه وإفراطه بنفس الوقت .... عجباً كيف أننا لا نرى بوضوح ، كيف أن النفس بحاجة للتذكرة في كل لحظة تتناسى فيها هدف خلقها ... عندما تتقاذفها الأهواء وتتجول في الدنيا وكأنها ما خُلقت إلا لتلهو وتعتقد خطأً أن الوقت تحت أمرها و رهن إشارتها وفي خدمتها ، نعم للسفر فوائد ومن أهم فوائده تلك اللحظة ... يوم أن يحزم أمتعته وأمره ويقرر أن يغادر ، الفرق الوحيد بين الأمرين أن هذه المغادرة باختيار وموعد محدد وقرار شخصي ..... أما تلك فالأمر مُختلف تماماً .
القطعة التي يجد أنه لم يرتديها لفترة معينة يشعر أنها لا تلزمه فيتخلص منها وإن كانت غالية ... هناك من سيفرح بها وتكفيه تلك السعادة التي يشعر بها عندما يفرح الآخرين ...... عندما تتخلص من أشياء ك الخاصة وتترك مكانها خالي فأنك ستتخلص من قدر كبير من حرصك وأقصد بالحرص ... حرصك على الدنيا وجزء كبير من الشح الذي يرغب في أن يمد جذوره داخلك .
تذكر أمان أنه عندما تُوفي والده ...... وبالتحديد يوم أن قرروا إخراج ملابسه ...كانت هناك كميات كبيرة منها معظمها جديدة لم يلبسها .... قرر يومها أمان أن يكون خفيف وجاهزاً ليوم الرحيل .
اغرورقت عيناه بالدموع مع تلك الذكري العزيزة وقال في نفسه ( لم تكن الدنيا في عيني أبي تستحق أن يلتفت حتى لها ... لم يكن أمرها يهمه لا من بعيد أو قريب ) .
عندما نحضر له ملابس جديدة كان يقول : لم كل هذا أنا لا أحتاج لها... كان يضعها في خزانة خاصة غير التي يستعملها وكأنه يقول ... إنها ليست لي ..... و فعلاً لم تكن له ، كان يحب الأشخاص أكثر من الأشياء .... أحب الجوهر وكان صادق بحبه لأبعد حد .
سحبته فكرة أخرى من فكرته السابقة وذكرته بجده ذلك الرجل العصامي الذي كون ثروته بفضل الله ثم اجتهاده إذ لم يرثها عن والده ..... تذكر يوم أن كان يقود سيارة متواضعة رأى صديقه أنها لا تليق به ، فقال له : أنت فلان ابن فلان تقود تلك السيارة العادية ... كان حري بك أن تشتري سيارة فخمة .
نظر له جد أمان وقال له : أنا فلان سواء قدت سيارة فخمة أم متواضعة .... السيارة لا تُضيف لي شيء أو تنقص من قدري شيء .
من تواضعه أنه كان لا يتناول طعام الإفطار في رمضان إلا وخدمه معه ... يرى إكرامهم إرضاء لله .... يفعل ذلك حباً لا رياء .
أجمل ما في ذكرياتنا أنها تعطينا دفعة لنكون كما كان من سبقونا ... نتعلم منهم ونتسابق معهم ولا ننسى لحظة أن كل عمل خير نقوم به لهم نصيب منه ..... هم علمونا وبذروا داخل نفوسنا بذرة الخير التي كلما طرحت ثمارها سعدنا ودعونا لهم .
انتبه أمان ثم ردد ( اللهم ارحمهم وارفع منزلتهم بكرمك وجودك ) ... ثم أكمل حزم أمتعته .

الاثنين، 8 أغسطس 2011

هيا ...أنا معك


* يصبح الحديد مرن عندما يُحرق في درجة حرارة عالية جداً ..... وإلا فإنه سيكون صلب لدرجة أنه ينكسر بسرعة عند الضغط .
تجاربنا القاسية وإن آلمتنا إلا أنها تصنع مرونتنا و تمنحنا قوة وحكمة و كأنها تحولنا لمخلوق جديد ، شكراً لله الذي أنعم علينا بها ، الحمد لله الذي منحنا الوعي بفوائدها .
*المجهول عند الإنسان معلوم عند الله ... ولأنه مجهول قد يكرهه الإنسان أو يرهبه .....لا يهم أن لا تلم به أو تعلمه يكفي أن وليك اختاره لك و من كامل العبودية لله أن ترضى به .... وتحبه كما أحبه لك .
مَن قدره عليك يقول في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) أي بمرأى منا وتحت رعايتنا ، يدل ذلك على أنك عزيز عنده ... فلا تحزن عندما تتقاذفك أمواج الحياة وتعصف بك رياحها وتنغلق أمامك الأبواب وتتعدد الدروب التي تتعرض فيها للألم تأكد حينها أن الله يسلك بك طريق أولياء ه ويعّدك لمنزلة كبيرة ويخصك بحظ كبير... هذا وعد من الحفيظ الذي حفظك في كل لحظة من لحظات حياتك ، وهذا توجيه منه سبحانه بأن تتحلي بالصبر ... لأن هذا هو كل ما تحتاجه .

* الشاعرة الأمريكية مايا أنجلو وتعتبر كنز وطني لها مقولة غاية في الحكمة إذ تقول ( إن الحياة تحب أن نمسكها من تلابيبها (نجذبها لنا) ونقول لها .... .. (هيا .... أنا معك ).
نحتاج لهذه الروح لنواجه بها أصعب تحديات حياتنا .