الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

أمان ....4



دخل أمان غرفته ليتفحص كتبه الجديدة ويختار الكتاب الذي سيصاحبه في الأيام المقبلة وكان الإختيار صعب فكل منها يبدو الأفضل ...حسم أمره واختار واحداً منها ثم ألقى نظرة على مذكراته التي تحمل خواطرتصف أجمل أيام حياته وأسوأها على الإطلاق وعندما تصفحها لاحظ كيف أن الأوراق تتطاير وكأنها تملأ جو السماء وتبلغ ما قدر لها أن تبلغ ...تعمد أمان أن يجعل من كل صفحة من صفحات حياته شيئ منفصل وغير مرتبط بما بعده أو قبله , لقد مل التسلسل والإرتباط ..الرتابة والمنطق ,أراد أن يتواصل مع نفسه في كل مرة يكتب فيها ومن جديد ,وعندما يكتب عن موقف من مواقف حياته كان كمن يصف مدينة و يحدد موقعها وعندما يتنقل بين مدنه كان يشارك نفسه حقيقته .



لم يحب في حياته أكثر من التعبير عن نفسه إن كان بالكتابة أو الرسم فمنذ كان صغير كان يسجل ملاحظاته في قصاصات من الورق ثم لا يلبث أن يضيعها ...يذكر الآن كيف عبر عن نفسه ووصف أدق تفاصيل شعوره مرات عديدة , ربما كان هذا هو السبب الذي جعله لا يتسم بالغضب تجاه أي موقف أو حدث ,صحيح أن هناك مواقف تحُزن وتُؤلم في وقتها لكنها سرعان ما تفقد سطوتها خصوصاً بعد الكتابة فمع تساقط الحروف على الورق يتفكك نسيج الموقف المحزن والذي بدا وكأنه متماسك ويبدو كل شيئ واضح ويبقى عليه الإختيار بين أن يعتبره مصدر معلومات أو مصدر ازعاج لكنه قلييييلاً ما يُغضب ...التعبير عن الشعور بوقته وبأي اسلوب كان يعمل على استقرار الروح وصفاء الفكر.

وبينما كان أمان يرتب أوراقه التي تناثرت إذ دخلت الغرفة ابنتا شقيقته الصغيرتين فقالت الأصغر سناًوكانت في الثالثة من عمرها :أتصدق بابا أمان أن غالية بكت في المدرسة اليوم ؟
حقاً؟لم بكيب يا غالية ؟
اليوم فقط .
وبكت في الأمس أيضاً أضافت الصغيرة
وجه امان انتباهه لغالية تاركا لها الوقت الكافي لتستجمع شجاعتها وكلماتها ...لقد خفت من أن يتركوني في المدرسة وأبقى وحيدة .
كيف يتركونك ومعك في نفس المدرسة أختك وبنات خالتك ؟
أعلم بابا أمان ولكني ظننت أنهم سينسون أنني حضرت معهم في الصباح وأبقى وحيدة.
قالت كلماتها تلك وهي تنظر للمنديل الذي بيدها تطبقه مرة وتفتحه مرة أخرى إلى أن أنهت حديثها ...ثم رفعت رأسها ونظرت لأمان وقالت :لكنني توقفت عن البكاء أتدري لماذا؟
لماذا ؟
لقد قالت لي صديقتي :لا تخافي المدرسة بها الكثير من المدرسات ’لن يتركونا سيبقون معنا طول العمر .
ضحك أمان من القلب وهو يسمع الرد الجميل والمريح والطريف من طفلة تهدئ طفلة وقال لغالية :لا يمكن أن تُتركي في المدرسة أو ينسونك في يوم من الأيام .
ردت غالية أعلم أعلم ولن أبكي ثانية .
وعد؟
وعد.



وطافت بخاطره ذكرى مشابهة ,يوم أن اصطحب ابنته لرياض الأطفال في يومها الأول وكيف كانت تبكي وكأنها لن تراه مرة أخرى وهو يطمئنها سأعود ,سأعود بعد فترة وهي تواصل البكاء وكأنها لا تصدق أنه سيعود ,يتصور الطفل أن لحظة دخوله المدرسة هي لحظة إنفصاله وفراقه عن والدية إلى الأبد ....انتزعتها المدرسة من يده وقالت له :اذهب ,لا تقلق ...كم رق لحالها وكأنها ستقتل نفسها من البكاء ,ود لو أنه ماتركها ولكنه فعل .....وعند انتهاء اليوم الدراسي وأول ما وقعت عيناها عليه ركضت باتجاهه بفرح لا يمكن وصفه ,أمسك يدها وهي تتقافز فرحة به ...ستعود للبيت ولن تترك في تلك البيئة الجديدة عليها كلياً ,سألته :أبي .
نعم .
ستأتي كل يوم لتأخذني ؟
سأفعل
ولن تتأخر؟
لن أتأخر
في السيارة نظرت له نظرة من هو محتار من شيئ ما وأردفت :
لدينا في الروضة (رياض الأطفال) العديد من الفراشات (عاملات نظافة ) ؟
حقاً؟
نعم لكنهن لا يطرن .
ضحك أمان يومها من خلطها بين عاملات النظافة والحشرات وأوضح لها الفرق .... وتذكر أنها منذ ذلك اليوم لم تبك فقد وثقت به ...وثقت في أنه سيعود .



استغرق أمان في ذكرياته لدرجة أنه لم ينتبه لصوت غاليه وهي تناديه فأمسكت وجهه بكلتا يديها وقالت :بابا أمان ,ما رأيك أن تأتي لتصطحبني في نهاية يومي الدراسي في الغد .
هذا رأي غير جيد ,رد أمان .
ولم؟
لأن لدي عمل ضروري علي أن أنُجزه .
كم تمنيت أن تصطحبني ولو يوم واحد ,ونظرت له نظرة لم يستطيع أن يقاومها ...قال لها :أعدك أنني في يوم ما سآتي وأصطحبك للمنزل .
سيكون أجمل يوم في حياتي ,وقبل أن تكمل قالت الصغيرة:وأنا أيضاً.....وأنت أيضاً .




ما أصعب لحظات الفراق ... هو الكبير لم يملك الشجاعة ولو مرة واحدة ليجعلها بلا دموع ...فراق بلا دموع ؟ مستحيل ,كم توسل لعينيه أن تحبسا الدمع إلى أن يغادر الطرف الآخر لكنهما لم تفعلا ,كم كانتا عنيدتين ’كم توسل لقلبه أن لا يضعف ويمثل حتى ولو تمثيل دور الشجاع لكنه عصاه ....جيد أن يعي أمان ,ويرى بوضوح ويعترف بواحدة من نقاط ضعفه .



هناك 8 تعليقات:

may يقول...

صحيح أن هناك مواقف تحُزن وتُؤلم في وقتها لكنها سرعان ما تفقد سطوتها خصوصاً بعد الكتابة فمع تساقط الحروف على الورق يتفكك نسيج الموقف المحزن والذي بدا وكأنه متماسك ويبدو كل شيئ واضح ويبقى عليه الإختيار بين أن يعتبره مصدر معلومات أو مصدر ازعاج لكنه قلييييلاً ما يُغضب ...التعبير عن الشعور بوقته وبأي اسلوب كان يعمل على استقرار الروح وصفاء الفكر.

/

حبيت الفكرة في هذا النص..
رائعة حياتنا الطيبة..
الله يحفظك..

الحياة الطيبة يقول...

لاحظتي مي ؟ يعني أقوى من أفضل مسحوق غسيل ...يعني الكتابة تمنع الشوائب الموجودة في المواقف السلبية من أنها تستقر فيها .
أنت الرائعة مي ونورتي المدونة ,سلمت غاليتي .

شمس النهار يقول...

وعندما تصفحها لاحظ كيف أن الأوراق تتطاير وكأنها تملأ جو السماء وتبلغ ما قدر لها أن تبلغ .

مش عارفة ليه حسيت انها زي الايام بتطير ورا بعض ولا يبقا الا الذكريات

اعجبني الحوار بين امان والطفلة
والشعور بالامان بعد الخوف

تسلمي

كل سنه وانتي طبة

:)

الحياة الطيبة يقول...

هي كذلك شمس النهار أيامنا تتطاير كأوراق الذكريات ويبقى لنا فيها مواقفنا وأُناس أحببناهم وأحبونا ,سلمت شمس النهار وسعيدة لأن الحوار أعجبك وكل عام وأنت بخير ,تحياتي .

BookMark يقول...

الله
استرجعنا مع أمان الذكريات ..
ضحكت وانا اتذكرني "ليش اسمها فراشة"؟؟
كان سؤال محير
والاعتقادات الغريبة الي تطرأ علينا فجأة مثل اعتقاد غالية انهم راح ينسونها اليوم

بس الفرق اني مابجيت من بد اخواني مابجيت أول يوم روضة :)

تسلم ايدج :)

الحياة الطيبة يقول...

الله يسلمك Book Mark

يمكن أصل التسمية من خارج الكويت ,وعلى فكرة ماشاء الله إنتي مستقلة وشجاعة على الرغم من وجود فكرة إنهم ينسونك لكن ما بكيتي
,نورتي المدونة ,تحياتي .

Unknown يقول...

رائعه اختي
و في انتظار الجزء الخامس بشغف
و اعجبني جدا تناولك لنظرية موت الالم حين ينزف حروفا .. فانه صدقا التعبير بالقلم او بالرسم او بالكلام حتى يضمد الجراح ولو قليلا

سلمت يداك اختي :)

الحياة الطيبة يقول...

إضافة أكثر من مشجعة ,سلمت أحمد Zema وسأكتب الجزء الخامس قريباًبإذن الله ,تحياتي .