السبت، 4 ديسمبر 2010

أمان.....(1)


توقفت الأمطار وبدأت السماء تضيئ بأشعة الفجر الذهبية وبدا كل شيئ بعد الأمطار الليلية وكأنه جديد المنازل ,السيارات ,الأشجار سبحان الله وكأن الدنيا غُسلت بماء من فضة ما من لوحة يرسمها رسام تضاهي جمال مايرى ,إنه جمال يأسر النفس ويجعلها تتأمله بانشراح ,نظر أمان إلى ذلك السرب من الطيور وهو يتنقل بصورة جماعية بين أجزاء شجرة طالما أحب أن ينظر إليها ,خفض نظره وتابع سيره بخطى متثاقلة ...ربما لأن لا وجهة لديه وربما ليوفر طاقته ليبتعد أكثر ....كم تمنى لوكان يملك من اللياقة ما يمكنه من المشي بطريقة تشبه من لديه جناحان يعينانه ,لكن كم من الأماني تظل فقط أماني .




عندما شعر بقليل من التعب جلس على حافة الرصيف فوقع نظره على علبة أعواد ثقاب وجاء صوت من الماضي يذكره بجزء من موقف سرعان ما استُدعي بكل تفاصيله ,صورة والده بصوته الرخيم وهو جالس وحوله الأبناء يلاعبهم ويقلب علبة أعواد الثقاب لتصف في كل مرة يلقيها حسب الوجه الذي تستقر عليه العلبة ,حالة من أحوال أحدهم في ثلاث فترات من فترات حياته أولها ,وسطها ,آخرها ,فكانت مرة تصفه بالسلطان ومره بإنسان أقل نجاح ومرة غير ناجح بالمرة ...وفي كل مرة ينهي دور أحد الأطفال يتنافس الآخرون لحجز دورهم ويرتفع صوتهم بالضحك خاصة عندما تخرج كلمة غير ناجح ,ويشعر الطفل بالفخر عندما تخرج كلمة سلطان ...من علم الأطفال أن يرغبوا بالتعرف على المستقبل ؟....وعندما لا تعجب أحدهم النتيجة فإنه يحتج ويرغب بالإعادة وإن لزم الأمر يذهب بعيداً عنهم يرقب بعين غير راضية فيناديه الأب تعال سنعيد لك التجربة ,الغريب أن النتيجة تعيد نفسها فعلبة أعواد الثقاب تكون عنيدة ولا تجامل أو تحابي كالأب ...في كل مرة تستقر رأساً على عقب أو تقف بصورة رأسية تتعالى الضحكات ....الأغرب من كل ذلك أن أحوال الأبناء الآن تشابه ما صرحت به العلبة ......هبت ريح خفيفة حركت علبة أعواد الثقاب وفصلت أمان عن تلك الصورة القديمة واختفي صوت الأب والأبناء ,شعر أمان بالبرد فضم معطفه حول رقبته وأكمل سيره ....وقال لنفسه أنا حتى لم ألعبها مع أبنائي ,هناك شيئ خاص في أيام الطفولة يغمرك بشعور غني يجعلك لا تتخلص منه ويظل يذكرك بأيام جميلة ,تُرى ما الذي يذكره أبنائي عني ؟



من يصدق يا أمان أنك كنت في يوم ما طفلاً ...ما أسرع مرور الأيام ... أسند أمان رأسه براحة يده وسرعان ما أخذته ذكرياته لمكان آخر بجوار سرير أمه عندما كانت تغط في نوم عميق مسندة رأسها براحة يدها والتي كانت كثيراً ما تعاني من صداع يلزمها الفراش ....تذكر كيف كان يجلس بجانب سريرها كلما عاودها ذلك الصداع لم يكن يلهو مع اخوته ويهتم بشأنه ...كلا كان يهمه أكثر شأنها وأمرها ويلاحظ كل حركة تقوم بها ويرقب أنفاسها إن كانت تتردد أم توقفت ,منذ كان صغير كانت هي كل عالمه وكثيراً ما كان يتألم من معاناتها ويحاول قدر ما يستطيع أن يخفف عنها وفيما بعد بعد سنين طويلة ......وفي يوم رحلت وصار فجأة كهلاً تسارعت دقات قلبه وهو يتذكرها وكأنها ماتت الآن وانهمرت دموعه في سباق غير طبيعي لتخرج من زنزانتها ....لم يرغب أن يرى أبناءه مدى حزنه عليها فلم يرغب أن يكسر قلوبهم ,مسح أمان دموعه كطفل مستعيناً بكلتا يديه .



بدأ الجو يصير أكثر برودة وليس من الحكمة أن أستمر سيرى ....قال أمان لنفسه وقام من مكانه ليسلك طريق العودة وشعر براحة وصارت قدماه أكثر خفة وكأن الدموع أزاحت عنهما ثقل المشاعر وعندما وصل لمكان إقامته كان الجميع في انتظاره :أين ذهبت ؟

.شعرت بالملل وفكرت في أن أستنشق هواء منعش وكما تعلمون هواء الفجر شيئ مختلف .

حقاً ؟ولم لم توقظ أحدنا ليذهب معك ؟

.أردت أن أختلي بنفسي .

حسناً في المرة القادمة أوقظ أحد منا , لقد قلقنا عليك ؟

سأفعل ,وبينه وبين نفسه قال :في الأحلام .

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

لا اجد ما اقوله اختي غير انك ابدعت

اعلم ان ما من شيء يكتب الا و قد بني على جزء من حقيقة

حقيقة يمر بها من لا يزال له قلب حي
اما اصحاب القلوب الميتة فصدقيني لن يضيعوا وقت في الخلو بانفسهم لانه نفس قبيحة يخاف اصحابها من مصاحبتها

دمت بخير اختي و انتظر الجديد من امان :)

الحياة الطيبة يقول...

هو كذلك أحمد Zema
شكراً على ما أضفته
وكلمات الثناء ومشاركاتك بالأمس التي أضاءت المدونة ,تحياتي .