السبت، 19 نوفمبر 2011

أمان ....٢٣


دخل أمان محل بيع الفاكهة وإذا برجل سمين في متوسط العمر يتجول بعربته بين الأصناف ، الأمر بدا وكأن تلك العربة تجره فقد كان شبه مستلقي عليها , كان واضع ثقله عليها ، يمشي متثاقل مع أنها كانت تخفف عنه نصف المجهود الذي يبذله ، كان شكله ملفت المهم أن أمان رغم أنه دقيق الملاحظة وتستهويه ملاحظة بعض المواقف الطريفة بتفاصيلها إلا أنه كان في عجلة من أمره ، ذهب مباشرة لمكان البرتقال وأخذ يقلب حباته ليختار الأفضل وإذا بالرجل السمين المتثاقل الخطى أمامه ، أخذ يلتفت لمن حوله ويكلم البائع قائلا ً: أريد برتقال جيد وفي فمه نصف ابتسامة ثم تابع : أُريد صندوق برتقال
رد البائع : حاضر ، لقد وصلنا للتو نوع ممتاز.
وكأن الرجل لم يسمع ، نظر للبائع وكان البائع رجل نحيل : أريده طري ولين ..... رفع صوته قليلاً وتابع ( ليس ناشف مثلك )
لم يستطيع أمان أن يخفي ابتسامته وقال للبائع يريده للعصير .
قال الرجل : تماماً ، أريده للعصير
البائع : حاضر سأجهزه لك حالاً .
تذكر أمان أحد أقربائه وكان يتمتع بروح دعابة مميزه ، لديه زوجتان وعدد كببببببير من الأبناء قال له : عندما أحضرت لأبنائي يوماً الفاكهة وعلى سبيل المزاح ولأخفف من إنشغال كل من زوجتي بالأُخري ... ناديتهم : هلم ياأبنائي وعندما حضروا بسرعة قياسية سكبت صندوق البرتقال على الأرض وقلت ( برتقال ، برتقال) كان موقف قمة في الطرافة وكأنني ألقيت على الجميع غاز الضحك
تذكر أمان عندما كان صغير يوم أن، حاوره ذلك القريب وقال له : ماذا تقرب لك السيدة مريم ؟
رد أمان : هي عمتي ؟
قال الرجل : حسناً ... هي أختى ، فماذا أقرب لك ؟
قال أمان : أنت أخٌ لعمتي .
قال الرجل : فقط ....ألست عمك ؟
أمان : لا بالطبع .
ضحك الرجل الذي كان يعرف رد أمان مُسبقاً لكنه أراد أن يتسلى معه .
كثيرة هي ذكرياتنا ... تستدعيها صورة أو كلمة ، حدث أو رائحة أو صوت ... أغلب ذكرياتنا سعيدة والذكريات السعيدة تمدنا بطاقة شاحنة للنفس بكل أنواع الإيجابية فرح ، نشاط ،دافع وحافز .
في طريق العودة مر أمان على بيت قديم مفتوح الباب وتذكر يوم أن كان فتى وكان له أصحاب من نفس الحي ، اقتنى أحدهم كلب وكان هذا الكلب من الحجم الكبير ... حسناً كان مُخيف بعض الشيء وأيضاً كان مطيع لصاحبه ، خرج أمان صباحاً لبعض شأنه وعندما لاحظه صاحبه طلب منه أن يأتي معه لكن أمان اعتذر لأن لديه أمر يريد إتمامه عندها نظر له صاحبه بخبث وخاطب الكلب أن اهجم عليه ....أحس أمان لحظتها بالرعب وقلة الخيارات و بالطبع أطلق ساقيه للريح دون تفكير فذلك الكلب سريع ومُطيع .... لكن أمان يومها كان كالغزال ... ربما أفضل ، المهم وهو في قمة إنشغاله بكيفية هروبه واختباءه إذ به يرى باب بيت مفتوح .... دون تفكير دخل البيت وأغلق الباب ، وكأنه بيت والده ،وقال في نفسه ( مهما يكن داخل البيت فهو أرحم من ذلك الكلب )...... وبينما هو يلهث من شدة التعب ويمسك الباب بكلتا يديه إذ بصوت هدير يأتي من خلفه ، لم يميزه لكنه ليس ببعيد عنه .... التفت بكل هدوء وبطء محاولاً أن يتصور مايمكن أن يمثل ذلك الصوت قبل أن تصل له عيناه وإذا به يصطدم بصورة لم يراها في حياته .... شاهد إمرأة كبيرة في السن جالسة على الأرض مادة رجليها وواضعة واحدة فوق الأُخرى شعرها وكأنه قطعة من القطن المُبعثر ووجه مليء بالتجاعيد وفم كبير بلا أسنان وعينان غائرتان تبدوان وكأنهما تتأملأن أو تتذكران شيء والعقل وكأنه يجول في اللآشيء وفم مشغول بنفس الوقت بتدخين الشيشة ..... إمرأة وشيشة ؟ كان الوضع آنذاك يبدو في قمة الغرابة
وأمان فاتح فاه لا يدري هو مفتوح من التعب أم مما يشاهده ، وإذا بالسيدة تخاطبه بصوت أجش ..... حياك الله ياولدي تفضل.....دون تفكير ولم يدري كيف قام بذلك لكنه وجد نفسه بلحظة خارج المنزل ويتكئ على الباب من الجانب الآخر وإذا بصاحبه جالس ينتظره مع الكلب وإذا به غارق في الضحك .






هناك تعليقان (2):

ibnalsor يقول...

الكلب بالنسبة لامان هو حيوان مالوف .. لكن هروبه ودخوله هذا المنزل شاهد شيئا اخر لم يألفه من قبل هي تلك السيدة المخيفة التي صورتها لنا الحياة الطيبة .. وبتصوري ان اكثر شيء اخافه وارعبه هي تلك الفقرة التي تقول بها الكاتبة ( جالسة على الأرض مادة رجليها وواضعة واحدة فوق الأُخرى شعرها وكأنه قطعة من القطن المُبعثر ووجه مليء بالتجاعيد وفم كبير بلا أسنان ) غرابة الحدث انها امرأة عجوز تجلس بالارض ماده رجليها وشعرها ابيض كالثلج ان مجرد احضار مثل الصورة لذهنك ستدرك الرعب الذي اصاب أمان .. ولو نظرنا لهذا الموقف من الناحية العصبية والنفسية وهذا تخصصي .. فالسبب .. ان الخوف الذي اصاب امان من الكلب نزع منه كل ادوات التفكير .,. ولم يبق لديه الا تفكير واحد هو الخلاص والهرب من الكلب .. فلما دخل المنزل وشاهد هذه العجوز ماذا حصل له .. تقول الكاتبة ( وأمان فاتح فاه لا يدري هو مفتوح من التعب أم مما يشاهده ، وإذا بالسيدة تخاطبه بصوت أجش ..... حياك الله ياولدي تفضل.....دون تفكير ولم يدري كيف قام بذلك لكنه وجد نفسه بلحظة خارج المنزل )
هذا يفسر ماذا .. يفسر ان امان فوجيء بالمنظر والمخ خال من اي تفاعلات للتفكير .. فماذا حصل .. الذي حصل ان المخ عندما تعطل .. اشتغلت بدلا عنه غريزة البقاء .. فهرب .. لكنه هروب مؤقت .. والدليل انه قفل الباب وظل وراه عكس الكلب اخذ يجري ودخل بيت وقفل ورائه الباب .. وهذا يعني ان عقله استوعب الموضوع .. لكن ظل مستغربا كيف هرب وليه هرب اي بمعنى من فكر بداله وأمر بالهروب لدرحه ان العقل ذاته لا يدري ان كان الفم مفتوحا من الدهشة او من تعب الهرب من الكلب او المرأة .. سبحان الله .. كاتبة رائعة

الحياة الطيبة يقول...

ابن السور , لا تعليق فقد كفيت ووفيت في شرحك وكأنك كنت هناك , كم هو جميل أن نحلل المواقف ونفسر السلوك بطريقة سليمة .
شكراً للإطار الجميل الذي زين البوست
شكراَ للثناء
تحياتي