السبت، 15 يناير 2011

أمان .....8





ذهب أمان للقاء غير مخطط له لطبيب العيون ....عندما ألقى أول نظرة لصالة الإنتظار بدت وكأنها عيادة أطفال ,عيادة مليئة بهم وقال في نفسه (لست أدري أهم مرضى أم مرافقون ...يا الله ,ربي يعينني على كم الإزعاج المتوقع في مثل هذا الموقف ,صالتين متقابلتين واحدة للنساء وأخرى للرجال وكلاهما مليئتين للآخر .



الكل مشغول عن الآخر إما بمجلة أو بهاتفه أو مسمر نظراته في شيئ ما وعقله في مكان آخر ....أحاديث النساء كانت تقتصر على الهاتف النقال بصوت خافت وبضع كلمات معدودة ومقتضبة سرعان ما يغلقونه وتتجه نظراتهن بعدها للأخريات واللآتي يبادلونهن نظرات مفادها أن كفى ثرثرة على الهاتف لا حوار مع من يجلسن بجانبهن وكأن هناك حائط يفصل كل واحدة عن الأخرى ...عجيب هو عالم النساء بقوانينه الصارمة وقواعدة الغير قابلة للإختراق ,أحياناً كان الأطفال يتساءلون عن أشياء لفتت انتباههم لكن كانت الإجابات التي يحصلون عليها ناقصة ومنتهية وسط ذلك الكم من التساؤل ,أما الرجال فهم أكثر انفتاح وانبساط ,يتجاذبون أطراف الأحاديث ولا يقلقون بشأن أصواتهم والتي كانت أحياناً ترتفع لتخترق عالم النساء المنغلق على نفسه .




بدت لحظات الإنتظار طويلة ومملة وتذكر ماكانت والدته تفعله في تلك الأوقات عندما تنتظر دورها في الدخول على الطبيب فانشغل بالذكر والإستغفار ثم أخرج مذكرته وكتب فيها بضعة كلمات وإذا بصوت الطبيب يقطع عليه تسلسل أفكاره ,أغلق أمان مذكرته ورفع بصره صوب غرفة الطبيب ...من عادة الطبيب أن يستقبل مرضاه ويودعهم عند باب غرفته لذا كثيراً ما يخترق صوته الضوضاء الناتجة عن صوت الأطفال ,الرجال . والتلفاز الموجود لقتل الفراغ لكن لا أحد ينتبه له وكأن وظيفته إعطاء خلفية موسيقية لصورة حية من صور الحياة .




ليست من عادة أمان التحدث مع الآخرين لذا أخرج عدة الكتابة مرة أخرى وعكف عليها ليتخلص بها من الملل وطول فترة الإنتظار وليختلي بنفسه ,عندما يكون مع نفسه كان كل شيئ يبدو ملهم ...عجباً للأطفال في البداية يرغبون بالحركة والكلام بحرية لكن إصرار الأمهات على التوجيه المستمر جعلهم يتصرفون في النهاية وكأنهم نساء صغيرات .




عندما تكون قليل الصبر تمر الدقائق وكأنها ساعات ’وعندما تنشغل بشيئ ...أي شيئ ينساب الوقت من بين يديك دون أن تشعر به .


طريف طبيبنا فهو يتكلم مع المرضى وكأنهم يعانون من خلل في الأُذن وليس العين حتى أنك تعرف أن مريض خرج وآخر دخل من صوت الطبيب الذي يستقبل بكلمات طيبة ويودع بكلمات أطيب .





الساعة الآن الحادية عشر ولم تظهر بوادر انفراج أزمة الزحام ..... يا إلهي قد مللت الإنتظار ,قال أمان في نفسه ...وفي لحظة نودي على بالذات اسم أمان .....سبحان الله عندما تصل لنقطة تتساءل فيها (متى الفرج؟) فإنه يأتيك على الفور و في لحظة تساؤلك .


تذكر أمان عندما قرر الطبيب أن يُجري عملية جراحية لإحدى عينيه فخافت عليه والدته قائلة :لا تجريها هنا ...قد يخطئ الطبيب والعين جوهرة لم لا ترجئ العملية حتى أذهب معك للخارج ونجريها هناك ؟

كانت والدة أمان في قمة تعبها ومرضها ويدرك أمان أنها لا تستطيع أو تقوى على السفر لذا لم يرد أن يتعبها أو يلفت نظرها لمرضها فيحزنها ,قال لها :أمي هذا الطبيب ممتاز وأطباء الخارج يشهدون له فلا تقلقي ثم إن الله هو الشافي وما كتبه علينا وقدره سنعيشه وهناك من سافر ولم يوفق ...هي تدرك كل ذلك وكانت سيدة تقية صابرة بحق ...لكنه قلب الأم الذي لا يساويه قلب ,صمتت ورضيت واكتفت بالدعاء وكان هذا هو كل ما يلزم أمان ,أجرى العملية ونجحت ,فرحت الحبيبة بالنتيجة وظلت تلازم أمان فترة وهو مرتدي النظارة السوداء وعينها لا تكاد تفارق عينيه وكان فضل الله عليهما كبيرا.








هناك 5 تعليقات:

BookMark يقول...

أجدتِ وصف الزحام وانتظار المرضى وحالهم أثناء الانتظار ..
كما يحدث ونراه دائما ..

مجتمع النساء .. الغريب المدهش !

الحياة الطيبة يقول...

BOOK MARK نحتاج لكم كبير من الصبر عند الإنتظار ,نحتاج لاستثمار ذلك الوقت المهدور بالمفيد أما مجتمع النساء فهو معقد في أماكن عديدة وليس فقط في أوقات الإنتظار ,مرور مميز غاليتي ,تحياتي .

غير معرف يقول...

بخصوص عالم النساء الغامض وصرامتهن مع اطفالهن اعتقد هذي نتجيه التربيه الذكوريه الشرقيه القاسيه

الله يعينهن على انفسهن

سلمت يداك

الحياة الطيبة يقول...

إنسان ,نعم أوافقك على رأيك كل ذلك يعود للتربية التي وضعت البنات في قالب يصلح لكل المواقف ولم يكن كذلك الغريب أن النساء أحببن ذلك القالب ولم يرغبن بمغادرته ولا يحبذن أن يغادره أحد ....سعدت بالمرور والإضافة ,تحياتي .

الحياة الطيبة يقول...

إنسان ,نعم أوافقك على رأيك كل ذلك يعود للتربية التي وضعت البنات في قالب يصلح لكل المواقف ولم يكن كذلك الغريب أن النساء أحببن ذلك القالب ولم يرغبن بمغادرته ولا يحبذن أن يغادره أحد ....سعدت بالمرور والإضافة ,تحياتي .