الخميس، 20 يناير 2011

أمان ....10




أثناء سير أمان في طريقه الذي اعتاد أن يقطعه كل يوم يستنشق فيه هواء نقي ويصفي فيه روحه ويتعرف على مايدور في رأسه من أفكار ,تذكر كم أضاع الكثير من الوقت في أن يكون جاهز لتقديم أقصى مايستطيع وأحياناً كان فوق الإستطاعة والإمكان لكنه كان يقدمه على أية حال ....(قد أسرفت في هذه الناحية قال أمان في نفسه )وكيف لا يفعل ذلك وهو الذي حمل اعتقاد قديم يقول أن من دماثة الخلق أن توفر حاجة الآخرين حتى قبل أن يطلبوها . وتقدمهم على نفسك .....(كم وضعت نفسي في مآزق بسبب هذا الإعتقاد) .



لم يكن له هم في الدنيا سوى أن يريح الآخرين وفي غمرة إنشغاله نسى أن يريح نفسه ....كل هذه السنين ولا هم له إلا أن يقدم ويقدم ,ولأن هموم الآخرين لا تنتهي فلم ينتهي منها ,استولت عليه وغمرته ليصحو ذات يوم على حقيقة جاءت متأخرة وتمشي على مهل وقدمت له ورقة كُتب فيها (من ينكر عليك أولوياتك ويشغلك بمطالبه ...يوماما سيتجاهلك وينكرك ,هي فقط مسألة وقت وسترى بعينيك ) .



غريبة هي دنيانا وغريبة أحوالنا فيها ,ممكن جدًا في وقتنا هذا أنك تكون ساذج جدًا وأكبر مما تعتقد وتحتاج لمن يوعيك بكم كلمة بكم موقف وكم رسالة .


تذكر أمان يوم أن استمع إلى شكوى قريبته من تقلب أحوال بعض البشر وكيف تحولوا إلى كائنات فضائية قالت : هل من الممكن أن يذهب كل شيئ هباء ؟ قال أمان ممكن جداً ثم اعتدل في جلسته وقال:...حسنًا فاليذهب من أمامهم ,ليتناسوه وليحرقوه لكنه باقي عند الله وعلى كل كنت بصنيعك تبتغين ما عند الله وليس ما عندهم أم أنك قدمت ما قدمت مقابل شيئاً ما؟


ردت :كلا لم أفعل .


قال أمان :قد تعلمت خطأ في مرحلة ما أن من سمو الأخلاق أن تبري الآخرين , لتبريهم لكن ليس على حساب راحتك ونفسك ...ليس على الدوام ,لن يفيدك أن تعمري الخارج وفي الداخل بحاجة للبناء .
نعم ما تقوله صحيح .
رد أمان:على العموم لم يفت الوقت لتبدأي بمعتقد جديد .
لا لم يفت أمان ردت قريبته .
قال أمان :أتدرين بماذا ذكرتني دموعك ؟
بم ؟ردت قريبته .
قال أمان :ذكرتني بالطفل عندما يتألم ويبكي بصوت عال فيسارع أحد الوالدين لتقديم المساعدة ,لاحتواءه ,لتهدئته .
الطفل يدرك أن الوالدين يفديانه بروحيهما ...هو يدرك ذلك بطريقة ما ,لذا يتعلق نظره بهما ويتوقع منهما الكثير أليس كذلك ؟
قالت هو كذلك بالطبع ,لكني لم أفهم؟


قال أمان : حسناً سأوضح أكثر ,ما أن يلم بنا أمر ونتألم ويُترجم ألمنا إلى دموع فإن الله يرى كل ذلك ..عندما كنا صغار كان بصرنا يتجه للوالدين وكان هذا قدر إدراكنا لكن الآن عندما نتألم يجب أن يتجه قلبنا نحو الله لنستمد منه المساعدة ....الإستعانة بالقوي تمنحنا القوة ,الإستعانة بمحب توفر النصرة .






الله وحده القادر على إزاحة ذلك الإحساس بالكامل وملئ فراغ شعرت به يوم أن ضعفت وقل فيه وعيك , لطف الله هو الذي وجه نظرك في هذا الموقف والمواقف الأُخرى فكان الألم يُرشد لموضع الخطأ ولولا ذلك الألم لأضعت جهدك ووقتك في المكان الخطأ ....مواقف حياتنا تهدي فوائد بقدر الألم وأحيانا أكبر .... وتقدم الحلول .
قالت باستحياء ربما لأنها ضعفت :أحيانا تبدو تحدياتناوكأنها لن تحل .
قال أمان:أغلبها تبدو كذلك وأضاف بصوت هادئ :وكلها تحل ,لكن في البداية تبدو وكأنها أسلاك متشابكة وما أن نبدأ بتفكيكها حتى نكتشف أن عملنا غاية في السهولة .
كم أحب أن أستمع لكلماتك وكم أشعر أنها مريحة .
قال أمان :على الرحب والسعة .


وصل أمان إلى آخر نقطة حددها وقرر أن يبدأ طريق العودة ,لفت نظره طفلان يلهوان بدراجتيهما .....وتذكر طفلي صديقه سليمان .
قد كان لصديقه طفلان واحد في الخامسة والآخر في الثالثة وكان ابن الثالثة نجيب وذكي بصورة جلية .
قرر يوما أن يخرج بصحبة الكبير منهما فغمز لزوجته أن ألبسيه ليخرج معي فصارت الأم تلبس الكبير وتجهزه للخروج ..والصغير يرى ما يحدث وملتزم بالصمت ,لم يبكي ,لم يحتج بصوت عال لكنه ظل يوجه نظره للأسفل كمن يفكر ثم فجأة رفع رأسه وقال لوالده: أبي.
نعم رد الوالد.
هل أنت متأكد من أنني ابنك؟
استغرب الوالد السؤال ونظر لولده محاولاً أن يستنطقه ويعرف سبب سؤاله .
صمت الابن قليلاً ثم سأل :مئة في المئة ؟
نعم مئة في المئة أجاب الوالد .
قال الابن :تقصد أنك لم تأخذني من أُناس فقراء لتربيني ؟
أجاب الأب لا لم آخذك من عند أُناس فقراء .
قال الإبن :حسنا ,لدي رجلان أستطيع أن أمشي بهما ,لم لا تأخذني معك وأنا ابنك وأستطيع أن أمشي فلا تحتاج أن تحملني ؟.....لم تغمز لوالدتي ,ألا تحبني ؟
حضن الأب ابنه وقال :بلى ,بلى أنت ابني وأنا أحبك ...قال الأب هذه الكلمات والدموع تتحدر من عينيه وألبس ابنه بنفسه وأخذه معه .
نظر الأب للأم فإذا هي مُتأثرة من كلماته التي تنطق بالذكاء وقالت لوالده في وقت لاحق :أتصدق أنني كنت أغني له أغنية بصوت خافت لأحمله على النوم وهذه الأغنية مشهورة في الخليج (حمادين وهوه ,مايشرب القهوة ,طول الليل يسري )وفجأة صرخ قائلاً :أنا كلب ؟
قالت له :من قال أنك كلب ؟
رد بسرعة :من هو هذا الذي يقول وهوه وهوه .....من الذي لا يشرب القهوة ....من الذي طول الليل يسري ,أليس هو الكلب ؟
قالت الأم للأب :أنا طول عمري أسمع الأغنية ولم أفكر يوماً بالكلب .
رد الأب :ماشاء الله الولد ذكي وأتوقع أن أراه قيادي .....لكن لم يطل العمر بصديقي سليمان فقد توفاه الله وأتمنى أن أرى ابنه قيادي كما توقع رحمه الله رحمة واسعة

هناك 6 تعليقات:

may يقول...

سبحان الله
الطفل له حساسية يجب على الوالدين الاهتمام بألفاظهم حتى لا تسبب لنفسية الطفل أي جرح..

الحياة الطيبة يقول...

فعلاً مي الطفل حساس جداً للألفاظ ويلتقط بصورة لا يتخيلها الكبار الذين يظنون أنه صغير على الملاحظة والتأثر ,شكراً مي وحياك الله .

BookMark يقول...

واي ياقلبي عليه
ذهلت لذكائه وتعاطفت معه وكأنه شخصية حقيقية أمامي

مستمتعون جدًا بهذه الأحداث والمواقف التي تصف جزءًا كبيرًا من حياتنا ..
شكرًا الحياة الطيبة :)

الحياة الطيبة يقول...

على الرحب والسعة BOOK MARK شكراً من القلب على هذا التواصل والمتابعة ,دمت بخير .

Unknown يقول...

اختي الفاضلة
اعتذر كثيرا عن عدم تواجدي و قد وجدت انه قد تم طرح اكثر من عدد للقصة
فانا منشغل هذه الايام بالتحضير لسفر قريب محتمل
التمس منك المعذرة ثانية
و قد قرات هذا الجزء و مسني منه اجزاء
و صدقيني ان مساعدة الناس و الالتفات لمشاكلهم و التعاون في حلها اعتقد انها من شخصية الانسان او تربيته او تكون في داخلة يدفعه لفعل ذلك حتى و ان اقسم مرارا انه لن يفعلها ثانية لان الناس لا تستحق

جواك الله خيرا اختي
و دمت و دام امان لنا بخير :)

الحياة الطيبة يقول...

أحمد ZEMA اعتذارك مقبول ,الله ييسر لك الخير حيث كان فعلاً هو كما قلت فمساعدة الآخرين شيئ جُبلت عليه بعض
النفوس وهو جيد على ألا يكون هذا ديدنها في كل وقت وفي كل الأحوال ,أحمد ZEMA هناك من يستحق أن تبذل له روحك وهو لن يستغلك أبدًا وهناك من لا تكفيه روحك وهذا لا يستحق أن تبذل كل طاقتك له ’سعدت بمداخلتك وزيارتك وكما تقولون في مصر الحبيبةخطوة عزيزة ).تحياتي) .