الأحد، 9 يناير 2011

أمان .....5


بقي أمان مستيقظاً إلى ساعة متأخرة من الليل في صحبة أحد كتبه وكان ما يقرأه مشوقاً لدرجة أنه وجد نفسه داخل أحداث كتابه ....كثيراً ما حاول الكتاب أن يفلت من يده لكن محاولاته تفشل ,ظل أمان يغالب النوم إلى أن أصبح لا معنى لما يقرأه فقد خضع لسلطان النوم ,حينها لم تعد المعلومات تدخل قلبه أو عقله ....,وفي لحظة ما .سقط الكتاب من يده واستغرق أمان في نوم عميق .






تنبه أمان إلى صوت لم يميزه لأول وهله ,ظن أنه يحلم ولكن الصوت كان متواصل وعلى وتيرة واحدة ,ظل يتردد فترة من الوقت لم يدركها أمان بالضبط , فتح عينيه للحظة ورفع سماعة الهاتف لكنه سرعان ما أغلقها فلم يكن الهاتف مصدر الصوت لأنه لم يتوقف ,وإنما المنبه الذي ضبطه على موعد صلاة الفجر ,ولأنه سهر ليلتها حدث لبس في تمييز الأصوات ...جيد بدأ يومه بطرفة ,حمد الله كعادته كلما تنبه من نومه واستعان به ثم توضأ وفرش سجادة الصلاة وبلمح البصر تذكر سجادة والدته المليئة بالنقاط مكان السجود والتي لم يستطيع أن يفسرها إلا عندما كبر ,كثيراً ما تساءل ما سر هذه النقاط في سجادة الوالدة رحمها الله ؟ أنها دموعها عندما تسجد ,ما أسعد من كان في معية الله عندما لا يشاركك أحد تلك اللحظة فالكل نائم أو مهتم بشأنه وأنت شأنك أن تناجي الله ,هناك أناس في حياتنا يملؤنك طاقة وسعادة بالجلوس معهم لكن لا شيئ يوازي أو يعادل معيتك مع الله سبحانه .




تذكر كم كانت مجتهدة في حفظها للقرآن وكان حفظها بطيئ وصعب لكنها كانت تملك كل ما تريد لتحقيق رغبتها فهي تملك نفس وعزيمة قوية قادتها لأبعد مما رغبت به وفي كل مرة كانت تحفظ جزء بسيط كانت تطلب من الأبناء أن يسمعوا لها ....يذكر أمان عندما ذهب معها في رحلة علاج في الخارج كانت تردد القرآن في كل وقت تقريباً وعندما حان موعد العودة كانت قد أنجزت بحق .




كم شارفت على الموت في مرضها الطويل لكنها في كل مرة تُشفى بأمر من الله حتى أن أحد الأطباء قال عنها أنها قوية وترغب في الحياة .... ورغم شدة مرضها ومعاناتها وألمها لم تكن تظهر دموع أو شكوى أو ألم اللهم إلا إن كانت نائمة فعادة ما يصاحب نومها الأنين .

كانت على سبيل الطرفة عندما تُسئل عن حالها تقول :أنا جمعية تعاونية (سكر وضغط وقلب وربو وكل يوم يكتشفون مرض جديد والحمد لله ) وكالعادة تحدرت دموع أمان حنين واحتياج ,حمد الله على نعمة الإيمان الذي نحتمي به عندما تغلبنا العاطفة ......برهة من الزمن مضت وكأنها حُذفت يوم أن تذكر أمان والدته .








فتح أمان نوافذ الغرفة ليتمتع بجو الشتاء ونسائم الصبح النقية فالشتاء في الكويت طيف عزيز ونادر ,يأتي متأخر وأحياناً يمر مر السحاب لم نكد نفرح به حتى يغادر ليستقبلنا الصيف باشتياق وحب من طرف واحد ,حب يلازمنا لدرجة الإختناق ,وعندما تذكر الصيف مرت به ذكرى والده فقد كان من هواة صيد السمك وكثيراً ما كان يصطحب أبناءه معه في رحلات الصيد وأحياناً كان يذهب مع بعض الأصدقاء علي ويوسُف وبدر أما علي فقد كان ربان سفينة سابق وله باع طويل وخبرة في أمور البحر وصاحب نكته (دمه خفيف ) وأما البقية فقد كانوا مجرد هواة لصيد السمك كان والد أمان لا هو بالسمين ولا بالنحيف وكذلك علي أما يوسُف فقد كان نحيلاً وأما بدر فقد كان سمين ,وكانوا متمازجين ومتآلفين لدرجة كبيرة وذات يوم اصطحب والد أمان أكبر أبناءه وذهب مع أصدقاءه في رحلة بحرية وعندما وصلوا لموقع يدرك النوخذه علي أن به وفرة من الأسماك أوقفوا القارب وبدأكل منهم في وضع الطعم في صنارته ليرموا بها في البحر وبينما هم منشغلين كُل في شأنه إذ قال علي:
أتدرون ماذا يحدث لو ظهر لنا سمك قرش ونحن في هذا المكان المعزول ؟

رد يوسُف ماذا يحدث؟
قال علي :سيقلب القارب لأنه جائع ومنظركم مغري .

قال علي ذلك وهو ينظر لهم بابتسامة لها معنى أدركوا ذلك المعنى بوقته فصاروا يتضاحكون .

قال والد أمان :وهل يستطيع أن يأكلنا جميعاً؟

قال بدر :بالتأكيد لن يفعل .....نحن أربعة .

قال علي :بل سيفعل أما أنا ويوسُف وأمان فسيأكلنا ولن يقول الحمد لله ........وصوب تلك النظرة الخبيثة إلى بدر وقال :أما بدر فسيختنق به ,ضج الأصدقاء بالضحك ثم رموا بخيوطهم في البحر .

التفت بدر لعلي وقال : أبو حسين .

رد علي : يانعم .سأل بدر :

هل تخاف من الموت ؟

ماذا ؟هل أخاف من الموت ؟ أنت لا تتخيل ماذا يمكن أن أفعل خوفاً من الموت ....ضج الأصدقاء في الضحك مرة أخرى .

اللحظات الجميلة في حياتنا تظل معنا لتذكرنا بأناس هم أغلى من الجواهر ....في يوم ما ذهب علي في رحلة بحرية ولم يعد ,عاش الأمل مع الأصدقاء في أنه سيعود لكنه لم يفعل وبعد فترة مات الأمل وتوقفت رحلاتهم البحرية ولم يعد للبحر جمال ولم تعد لهم رغبة في اصطياد السمك وغابت هوايتهم مع غياب علي .








وما هي إلا سويعات وإذا بجرس الهاتف يرن ,رفع أمان السماعة :نعم قال أمان .

السلام عليكم,فإذا هو ذلك الصوت المحبب ,صوت عبدالله ,وعليكم السلام قال أمان ,من أين أشرقت الشمس اليوم ؟

سأمر عليك مساءً رد عبدالله .

حياك الله ,أنتظرك .

هكذا هو عبد الله ,ينغمس مع الأيام ثم ما يلبث أن يتصل ليحضر ,يقوده حنينه ,لديه وفاء نادر ,وعبدالله صديق من عهد الديناصورات ,صمت أمان برهة فبادر عبدالله :

أمان أنت معي ؟

نعم نعم معك .

قال عبد الله :اتصل بأشقاءك أريد أن أراكم جميعاً .

سأفعل .قال أمان .

وعندما حل المساء جاء عبدالله بموعده كالعادة وتستطيع أن تضبط ساعتك على موعد حضوره .

أين الإخوة ؟ قال عبدالله ؟

رد أمان الجميع تقريباً اعتذر .لكن إن انتهوا من أعمالهم في وقت مبكر سيحضرون ,قد وعدوا بذلك .

قال عبد الله : أمان ,لدي مشكلة صغيرة أود أن أحدثك عنها بما أننا على انفراد .

هات ماعندك ,رد أمان .

كلما أردت الخروج مع عبد الرحمن يقول لي اتصل ببقية الأصحاب وهذا يحدث في كل مرة ,لست أدري لم يفعل ذلك ؟

قال أمان :ربما هو يحب اللمة والأحاديث المتشعبة ...ربما تتحدث عن جانب لا يحبه ,ربما حديثك مكرر ,ربما أنت مقل في الكلام ,ربما تتكلم عن همومك ...هناك احتملات كثيرة عبدالله ولن تعرف السبب إلا بالتواصل أكثر ,مالذي يحبه أو لا يحبه ,عندما ننصت جيداً وباهتمام وبرغبة في اكتساب معلومة مهمة فإننا سنجدها حتما .

ثم نظر أمان لصديقه عبدالله نظرة ترشد لمعلومة غابت عنه وقال :ها أنت عبد الله في كل مرة تعلمني بحضورك ترغب في أن يحضر جميع الإخوة ؟

قال عبد الله :هل أنا أفعل ذلك في كل مرة ؟

نعم وفي كل مرة ,وصدقني لو أنك ما تفعل ذلك لما ضايقك سلوكه وما لاحظته أصلاً .

فلا أحاديثي مملة ولا أتحدث عن همومي ولست سلبي ...ما يلفت نظرنا من سلوكيات الآخرين هو في الحقيقة تنبيه لنا من أنفسنا لخطأ ما ,فاشكر الله على هذا المصدر من المعلومات الذي لا ينضب والمقوم الذي لا ينفك يأخذ دور المرشد . ,نحن من يعطي الأشياء والمواقف التي نلاحظها معنى بطريقة تفكيرنا وتفسيرنا وإلا هي محايدة ومعلومة فقط لا تملك أن تحزننا بل تبعث فينا روح المعرفة بالتالي تضيف لنا وإلا ما رأيك ؟

عبدالله : هي كذلك .

عبدالله إنسان شفاف وأصفى من الماء ,محب لدرجة أنه إن غاب سنه وعاد تكاد تجزم أنه غادرك بالأمس ....عبدالله إنسان بألف إنسان .

ما كاد أمان ينتهي من حديثه إلا وجاء إثنان من إخوته فقال : ها قد جاء الإخوة ....لاحظوا عليكم تأخير ,اعتذر كل منهم بما تسبب بتأخره وكانت جلسة ممتعة جلبت كم كبير من الذكريات الجميلة .

هناك 10 تعليقات:

Unknown يقول...

اختي سلمت يداك
اعتقد انك تستهلكين وقتا في كتابه تلك القصة الجميلة
و التى اراها قد بدأت في السير و بدأت تشد من يقرئها و متابعيها

وفقك الله اختي
و جزاك خيرا على اسعادنا بها :)

الحياة الطيبة يقول...

الله يسلمك أحمد Zema ,هي فعلاً تأخذ وقت وليس الوقت هو الذي أقلق بشأنه ولكن الصورة والجودة التي تظهر بها ..أشكرك كلماتك مفرحة ,أسعدك الله ,تحياتي .

شمس النهار يقول...

ماشاء الله
كل مرة بنتعمق اكتر في شخصية امان

وفقك الله

ومتابعه معاكي باذن الله

الحياة الطيبة يقول...

حياك الله شمس النهار وأكيد نورتي المدونة ,كم تسعدني متابعتك ,دمت بود .

BookMark يقول...

دمعت عيني على عبارة "أنا جمعية تعاونية"
هكذا هم كبارنا صابرون محتسبون، نتأثر نحن لحالهم وهم معنوياتهم مرتفعة جدا وكأن ما بهم ليس يعنيهم !

أمان شخصية تأخذنا إلى عوالم مختلفة من ذكريات قديمة إلى واقع الأبناء إلى الصحبة الطيبة ..

شكرا الحياة الطيبة :)

الحياة الطيبة يقول...

إن شاء الله ما تدمع عينك على الغالي يا Book Mark كبارنا صابرون لأ ن إيمانهم قوي الله يهنيهم .

الشكر موصول لك وإنشاء الله تتعرفون على شخصية أمان أكثر وتستمتعون بصحبتها ,دمت بود .

well يقول...

امان شخصية للمرة الاولى اتعرف عليها ..رغم تواجدها فى 4 بوستات ..
شخصية باقية من زمن الاخلاص والحب والايمان
وكأن ..امان .. كتاب يوحى لنا بتعليم شئ فى كل مقطع
ابدعتى فى السرد
تحياتى لشخصك واسلوبك وكلامك الذى هو بزور أمل

الحياة الطيبة يقول...

يامرحباً Well في كل واحد فينا جزء من أمان وكل مواقفنا مواقف تعلم ,الحب والإخلاص والإيمان أشياء بدأت تنحسر بين الناس لاستحواذ الدنيا على قلوبهم .
شكراً Well على المرور والإضافة ,تحياتي .

طهر فؤادك يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

ربنا يكرمك يارب والمسلمين

وربنا يتقبل منك والمسلمين صالح الاعمال

وفية معانى فى القصة دى جميلة قوى يااختى وهى حرص الام على قيام الليل والتضرع الى الله والبكاء من خشية الله بالاضافة طبعا لشخصية اماان

بارك الله فيكى ومنتظرين جديد ان شاء الله

وفكرتينى بصيف الكويت والحب من طرف واحد فعلا :)

الحياة الطيبة يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ,طهر فؤادك صحيح أن الوالدين ينصحون الأبناء ويوجهونهم إلا أن سلوكهم يبقى هو الأفضل لأنها دروس عملية تظل راسخة في ذاكرة الأبناء وعلامة على الطريق ودعوة للإقتداء والحياة اختيار ,شكراً للمتابعة أما عن صيف الكويت فلا يمكن أن تنساه ....سعدت بمرورك ,تحياتي .