السبت، 15 يناير 2011

أمان ...7


شعر أمان برغبة في العودة للمكان الذي نشأ به ’تردد برهة ثم في النهاية قرر أن يذهب وعلى كل حال هي زيارة وتظل أبوابها مفتوحة دائماً, ارتدى معطفه السميك ووضع في جيبه مفكرته الصغيرة التي تصاحبه في كل خطوة يخطوها خارج البيت ,يسجل بها ملاحظاته وأفكاره وأحيانا ...بل دائماً مشاعره ولم ينسى نظارته الطبية ,قال في نفسه وهو ينظفها :كم تردى نظرك يا أمان ...الحمد لله .



عندما وصل هناك كان المكان وكأنه يناديه ,تتزاحم الذكريات ,كل الذكريات وكل منها يرغب بالظهور أولاً وفي وقت واحد ...ياالله كلها ذكريات جميلة شعر أمان معها وكأنه طفل صغير وكأن خيبات الأمل التي عاشها ماحدثت ولا كانت وكأن جوهر الحياة أظهر نفسه ولم تعد للمرارة وجود ....لم يدرك أمان كم الوقت الذي أمضاه متأملاً البيت القديم ولكن صوت والده جاء من بعيد مما جعله يرتقي السلم متوجهاً للصالة .



تذكر أمان كم كان والده يرحب به في كل مرة يزوره بها بطريقة وكأنه نزل عليه من السماء وكأنه ماجاء بالأمس ...زيارة أمان لوالديه بعد زواجه يومية ,يشتاق لهم ويشتاقون له فإن مرض يوما وما حضر سارعوا بالإتصال به :كيف حالك ؟ هم يدركون أن مايمسكه شيئ عن زيارتهما إلا المرض ,وعندما يطول به المرض يومان كانوا يزورانه ......يا الله تتسمر يومها عيناه في عيونهما ويصبح البيت قطعة من الجنة ,ويزول المرض ....أي مرض والدواء موجود ....يا حيا الله أمان ,قال الوالد .
الله يحييك أبي .
أفطرت؟ قال أمان .
شربت شاي .
لقد أحضرت معي الفطور .
لم أتعبت نفسك.
لم أتعبها ثم إن تعبك راحة .
والد أمان أجرى الكثير من العمليات الجراحية لذا تجده مقلًا في أكله ولا يرغب في أي نوع من الطعام وإنما أنواع معينة ومحددة لكن ما يحضره أمان كان يحظى برضاه ,قال أمان في نفسه وهو يتذكر :كم كان يسعدني منظر والدي وهو يأكل ما أحضرته له ..إيه أيام ,رحمة الله عليه .




غادر أمان الصالة إلى غرفة نوم والديه وتذكر يوم أن حان وقت صلاة المغرب وكان والده فارشاً سجادته ليصلي فصلى أمان دون سجادة صلاة فالأرض ناشفة وطاهرة ولا يحتاج الأمر لسجادة لكن والده عندما أنهى صلاته فرشها مكان سجود أمان ....فرشها حبًا ورأفة به من تأثير سجادة الغرفة الخشنة ...كم أحب أمان هذا السلوك وكان معه في ذاكرته ويُستدعى تلقائيًا كلما صلى ,هو يفعل ذلك الآن مع أبناءه ويفعلونه معه .....هذا هو العمل الذي يتواصل أجره ولا يقف بموت الإنسان فها هو يتواتر عبر الأجيال .




حسناً علي أن أغادر الآن ,نزل أمان السلم وتذكر كيف أن والده عندما كانت صحته تسعفه كان ينزل السلم مع أمان وأمان يقول له :أبي لا تتعب نفسك أنا أذهب بمفردي ,فيرد عليه الوالد كلا سأنزل معك لأتحرك قليلاً ....كم كان حبيب هذا الوالد ,كان يغلق باب السياره خلفه ويقول له كلمه ما نساها أمان (أمانة الله) .



حرك أمان سيارته مغادرًا البيت القديم وهوينظر في المرآة الأمامية وكأنه يرى صورة والده عند باب البيت وهي تصغر شيئًا فشيئًا ,بدت رحلة العودة طويلة وانتبه أمان أنه كان يقود بسرعة كبيرة فأبطًا وتذكر أول سيارة ابتاعها والده ,كانت قيادة والده لسيارته ضعيفة ومع هذا كان يقودها بسرعة كبيرة ,الطريف أنه لم يكن يعرف الطرق والمناطق جيدًا وكثيرًا ماكان يضيع بين المناطق ويستغرق وقت العودة من زيارة الأهل وقت طويل مع أنهم في نفس المنطقة ويحدث ذلك في كل مرة ويبدأ الأمر في أن يقول الوالد مخاطباً الأبناء : ما رأيكم لو نتجول قليلاً قبل العودة للبيت ....فيبدون فرحهم وموافقتهم بصوت عال فيخرج من المنطقة ويسير في خط مستقيم لكن الطريق يطول ثم لا يلبث أن يفقد معرفته بطريق العودة وبعد عدة محاولات يكتشفه ,لكن كانت للوالد طريقة يبعد بها الخوف عن الأبناء عندما يطول التجول ,كانت سيارته لها لونان الأسود والأحمر فكان يغني لهم وهم يرددون ما يقوله (حمر وأسود يدل البيت) بمعنى أن سيارتي تعرف طريقها للبيت وستصل له ,حسناً كان محقاً وكانت سيارته تعرف طريقها إلى البيت ......قال أمان في نفسه هذا ولم تكن هناك طرق سريعة ...ترى ماذا سيحدث لو قاد أبي سيارته الآن ؟


وصل أمان البيت وسجل بعض الكلمات في مفكرته ثم أغلقها ,نزل من سيارته وودع ذكرياته عندما أغلق باب السيارة
.

هناك تعليقان (2):

BookMark يقول...

الله يالحياة الطيبة حركت المشاعر بكلماتك هذه ..
شعرت بأمان وبإحساسه العميق وفقده لوالديه ..
إنه الحنين الذي قاده إلى مكانهم القديم فاشتعلت معه كل الذكريات ..

جميل جدًا هذا الجزء مليء بالعاطفة وحب الابن لأبويه

الحياة الطيبة يقول...

ما تتصورين BOOK MARK اشكثر أسعدتني كلماتك ...شكراً من القلب ,تحياتي .