الأحد، 12 يونيو 2011

أمان ....١٦


جلس أمان تحت شجرته المُفضلة وأخذ يقلب بين راحتيه أوراقها التي تساقطت وتراكمت ، كل ورقة منها لا تُشابه أُختها ، كم هي جميلة رُغم جفافها , بدا الأمر وكأن أمان يقلب الماضي بيديه حينما يقلب تلك الأوراق ، تسارعت الأحداث وتسابقت وتزاحمت وتذكر أمان جود ابنة خالته تلك الفتاة الجميلة الخلوقة الناجحة بكل المقاييس ، كيف أنها فهمت أن ابن عمها هشام يرغب بالزواج منها والحقيقة أنها شعرت أنها تبادله تلك المشاعر الجميلة فآثرت أن تنتظر أن يتخرج من الجامعة ليتقدم لها ...انتظرت جود وطال انتظارها لأن هشام قرر في سنة التخرج أن يواصل دراساته العليا في الخارج وطلب منها أن تنتظره ....انتظرت جود فهي لا تريد غيره ، مرت الأيام والشهور والسنين وهشام لم يعود ....أخيراً عاد هشام وليته لم يعود فقد جاء وبجعبته مفاجأة كبر البحر لم يتحملها عقل جود ولا قلبها الرقيق ، قالها بملىء فمه : لا أُريد جود.
ماذا ؟ وبعد ماذا؟ لقد أضاعت شبابها بالإنتظار ....وكان بانتظارهم مفاجأة أُخرى فهشام يريد قريبة له أخرى .
توالت أحداث حياة هشام وكما خطط لها لكن آحداث حياة جود توقفت هناك ....حيث رفضها هشام وأنكرها ، جود فتاة ليست ككل الفتيات ، هي أشبه بالجوهرة ، كثر خُطابها ... الحقيقة أنها كانت تُحاول في كل مرة أن تمضي في حياتها كما مضى هو لكنها لم تستطيع وكأن حياتها أبت أن تسير ،وكأن صدمتها به منعتها من أن ترى الفرص ....فرص ،وكأنها ترى الرجل في حياتها سراب .
أحياناً تكون بعض الأحلام خادعة ....كاذبة .
أطرق أمان ثم مرت به أفكار فأخرج مذكرته وفتحها ليسمح لها بالإقامة فيها .....وسجل : هناك من قضي حياته كلها في انتظارشيئ ما , فكانت حياته قيد الإنتظار وقد أساء الإختيار حين انتظر وكدرصفوها.
ليس كل شيء أو شخص يستحق الإنتظار ....فإن لم يستحق الإنتظار ...هل يستحق الوقوف ؟
أحيانا يتطلب الأمر أن نختار الصعب ومالاتوافق عليه عاطفتنا حتى تكون حياتنا جديرة بأن تُعاش .... حياة كلٌ منا غالية ولا يجب أن تتعثر أو تصطدم بالأشياء والأشخاص وكل تجربة فيها سلبية أو قاسية لاتزيد عن كونها تحدي .....لم يُسلب فيه حقنا في الإختيار .
قال أمان في نفسه : أحسنت أمان .


نظر أمان للأعلى ولاحظ كيف أن الشجرة جميلة حتى وهي تتخلى عن أوراقها وكأن كل ورقة تسقط تُمثل درس أُخذت فائدته لتظهر أوراق من جديد تحمل معها تحدي من نوع آخر يُرسخ فكرة أن الشجرة خلق أصيل ، كما هي مخلوقات الله ...سبحان الله.
كل المآسي التي عشناها صارت أطلال ولم يتبقى منها سوى ظلال أضفت نوع من الجمال والقيمة على لوحة حياتنا ....ظل لم تصنعه المأساة لأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بل صنعناه نحن بيدنا ,صنعته طريقة تعاملنا معها وكل منا مُتفرد في درجة ومساحة ظله لا يتشابه ظلان رغم كثرتنا ، وكل منا مُتميز بطريقته سواء وعي ذلك أم لا ، لكن الأكيد أننا إن أدركنا تميزنا صار أداء نا أفضل .


أغلق أمان كراسته وتساء ل في نفسه كيف نختار أن نفوت الفُرص بإرادتنا ؟
هل يكمن السبب في أننا لا ندرك أنها فُرص ؟
وإلا فكل يوم جديد فرصة لفهم جديد و حقيقة كانت غائبة أو مُتوارية هل لأننا لم نُمعن التفكير ؟ أم لأننا انجرفنا وراء العاطفة ؟ كل حوار فرصة لإصلاح أمرٌ مُعلق دام سنين وكل سوء فهم فرصة ودعوة لفهم الآخر وكل صعوبة ولحظة سعيدة فرصة لصبر وشكر وتعلُم .....يُسمى هذا الاسلوب التعامل بإيجابية .
الحقيقة أن كل منا يملك ويتمتع بحرية الإختيار في كل يوم من أيام حياته ,فهل نتعامل مع الأشياء والأشخاص بطريقة إيجابية ؟
هل نتعامل مع أنفسنا بإيجابية ؟ .... عندما نختار أن نهدر الأيام في نفس المكان ؟ أم تُرانا أضعنا الوجهة و البوصلة ؟



طرحت ذكرى أُخرى نفسها ولفتت انتباه أمان فتذكر بلحظة كيف أن جاره جمال دائم التذمر من حاله ، لم يكن راض عن شيئ فيها ،كثيراً ما قارن أبناء ه بأبناء الآخرين وكيف كان ينتقدهم علناً ، وكثيراً ما كان يستعمل العصا في إصلاحهم ....حتى صار الأبناء يتجنبون الحديث معه فشعوره بعدم الرضا وغضبه بمناسبة وغير مناسبة أشعرهم بالنقص رُغم أن لا شيء ينقصهم ، كم لفت أمان نظر جمال لهذا الخطأ الفادح لكنه كان كمن لا يسمع إلا صوته ....وهل تنفع النصائح إن لم نعي أن ما نقوم به خطأ ... لن تنفع .
كبر الأبناء وتزوجوا لكن كبر معهم شعورهم بالاستياء نحوه ....في يوم ما كان أحد الأبناء يتجول مع أمان بسيارته فمر ببيته القديم (بيت والده) فقال بحسرة وصوت مخنوق ( الله لا يذكر صاحب هذا البيت بخير ) ما أقساها من جملة لم يستطيع أمان أن ينساها ، كم أحزنته
....الواحد منا بدلاً من أن يعين ابنه على بره تجده يعينه على عقوقه ...نحتاج لأن يذكرنا الناس بخير ، وشهادتهم بما كان منا مهمة ،فكيف بشهادة أبناء نا ؟
المُفترض بنا أن نكون مصدر استقرار وأمان لأبناء نا ....أن نشعر بأننا خُلقنا لأجلهم ، نقدم لهم عملياً أفضل ما نود أن نتركه وراء نا ليعيش من بعدنا .
كم واحد منا ربما لم يعجبه تصرف ما، من أحد والديه وقرر من فترة طويلة حتى قبل أن يتزوج أنه لن يتصرف مثله ثم تجده يتصرف بنفس الطريقة ....وحينما يقوم بذلك تقفز الذكرى لتذكره أن هذا التصرف لم يُعجبه سابقاً وأنه تحول إلى نسخة من والده .
التفت أمان وسأل أحمد ابن جاره جمال وقال له : كيف تتعامل مع الأبناء ؟
أحمد : بلين بمحبة ، لا أُريد أن أكون مثل والدي ... ثم أوقف السيارة ونظر إلى أمان وقال : أذكر أنني غضبت يوماً وفقدت سيطرتي على نفسي وضربت أحد أبنائي لكن عندما رأيته يبكي بحرقة تذكرت ضعفي وقسوة والدي فضممته إلى صدري وكأنني أضم أحمد الطفل الصغير وأقسمت له ألا يبدر ذلك مني ثانية .


هناك آفات تغتال حُسن خُلقنا كمقارنة أنفسنا بالآخرين ,التذمر والشكوى , نقد الآخرين والحكم عليهم ، عدم الرضا ، تتحول معها لوحة حياتنا الجميلة إلى كارثة وكل ذلك تم باختيارنا ....لا أحد يستطيع أن يسلبك حرية اختيارك ويُفسد عليك يومك ويُربكك إلا نفسك .
نهض أمان من مكانه وتابع سيره وهو يردد فرصة وعِبرة ...هكذا هي الحياة .

هناك 12 تعليقًا:

Romia Fahed يقول...

مررتُ لأكون أول المعلّقين وأقول صباااحج سكر :* ..

لي عودة إن شاء الله

الحياة الطيبة يقول...

نورت المدونة ياروميه ...صباحك أحلى من العسل.

Unknown يقول...

اختي الحياة الطيبة
مر وقت طويل ليعود امان من جديد
و لكن هذه المرة اسمحي لي ان اختلف معه قليلا
ان الفرص التي تضيع من الانسان في وقت الانتظار هي ليست فرص له
و هو يجب الا يندم ابدا على فرصة ضاعت
لانها لو كتبت له منه البداية لما ضاعت منه
كل شيء له وقته اختي
معظم الناس يندمون على ضياع فرص و على اختيارات خاطئة
مع انها اقدارهم التي كتبت لهم
لم اقل اننا نجلس و ننتظر تحقيق القدر
لا بل خلقنا لنختار و لنقارن بين هذا و ذاك و لكن لا للندم ابدا على فرصة ضاعت
حتى و ان كانت جود لن تستطيع ان تمضي في الحياة للذكرى الاليمة التي مرت بها فهذا قدرها
فان الانسان في بعض الاحيان يراه الناس من منظور مختلف عما يعيشه هو
فيعتقدون انه ابله او انه يتمادى في احساسه
مع ان الحقيقة انه قد يكون مجبر على ذها الاحساس
و قد بثه الله في روحة لانه لم يكتب له المضي في الحياة الا على هذا النحو
و كل ما تسبب من اسباب هو فقط ليسير على هذا النحو

عذرا اختي اطلت عليك كالعادة :)
و لكن في النهاية اشكرك بشدة لعودة امان من جديد

دمت بخير و صحة :)

الحياة الطيبة يقول...

أهلاً أهلاً أحمد Zema حياك الله ،الإختلاف أمر جيد لأنه يثري أي موضوع
الأمر أحمد ليس ندم على مافات فما فات انتهى وما فاتنا شيء لأن الله لم يُقدره لنا وإنما إضاعت الوقت في انتظار من لا يستحق الإنتظار والتعلق بالأشياء والأ شخاص  والإنجراف وراد العاطفة هي أخطاء نحن مسئولين عنها .
الإنتظار اختيار
التعلق بالأشياء اختيار
الإنجراف وراء العاطفة اختيار
الأقدار هي أحداث حياتنا وتعاملنا معها هو الإختيار .
لم يكن قدر جود أن تقف عاجزة عن متابعة حياتها ....الوقوف كان اختيارها .
الأسباب التي يراها البعض جالبة للعجز فإن البعض الآخر يستخدمها كقوة دافعة يصل بها لمنازل ومراتب لم يصل لها الكثير من الناس .
لم نُخلق لنكون عاجزين يومًا إلا إن تعلقنا بشيء أو شخص أكثر من تعلقنا بالله .
قد أثريت المدونة بإضافتك وقد سعدت بمرورك ...تحياتي .ا

شمس النهار يقول...

دائما هناك وقت لكل شئ
وفرص يمنحها لنا الله
وطول مافي امل في الله في فرص

ربنا يكرمك علي كتاباتك العميقة القيمة

ياريت تلغي كلمة التأكيد اللي بالانجليزي

الحياة الطيبة يقول...

يا مرحباً بشمس النهار ،فعلاً الفرص التي يمنحها الله لنا لا تُعد كما الأمل الذي يتجدد مع كل يوم .
شكراً شمس النهار على المرور والإضافة والثناء
كلمة المرور بالإنجليزي عملت على إلغائها وإنشاء الله تكون إنلغت الآن .
دمت بود، تحياتي.

كريمة سندي يقول...

إن حياتنا مليانه بالمتناقضات التي تجعل لحياتنا نكهات مختلفة تحياتي وتقبلي مروري الأول

الحياة الطيبة يقول...

صدقت ياكريمه سندي ... المُتناقضات تجعل لحياتنا نكهات مختلفة حتى لا نُصاب بالملل ،سعدت بمرورك وإضافتك كريمه ،تحياتي.

Romia Fahed يقول...

الموضوع يترك في صدورنا مساحات إيجابية ودعوات للنظر
الحقيقي فيما خفي عنّا .

سأعلق على قصة هشام وجود إذا سمحتي لي ، فـ مثل هشام يستفزني أكثر من جمال :


الأحلام خادعة أحيانًا مختومة بالكذب
لكن ما حصل قبل سفر هشام أشبه بـ عقدٍ شفهي لـ تلتزم به
جود وتنتظره ، هي لم تؤثث عالم الحلم على أمل بل بناءً
لـ مستقبل مطلوب فور عودته يتم الزواج ..

جود .. لن ألمها في تعطل حياتها بعض الزمن وإن كان عمرها
لا يسمح بـ مزيد من خيبة ، أطلبها الوقوف وستفعل وربما فعلتْ
جوود .. مثال لـ أنثى تستحق التقدير ومثيلاتها كثر .

"قال أمان في نفسه : أحسنت أمان ." وأقولها لكَ أيضا : أحسنت أمـــان


- "وكل منا مُتفرد في درجة ومساحة ظله لا يتشابه ظلان رغم كثرتنا"
جملة بليغة رائعة ، اقتبستها منكِ وحفظتها في ملفي الخاص : )

دمتِ لمن تحبي ولنا

الحياة الطيبة يقول...

Romia Fahed لك حق عندما يستفزك هشام فما كان بين جود وهشام عقد شفهي لكن ربما ماكان هشام يعني ماقاله ولم يعتبره عقد اعتبره وعد ولم يكن مُجبر أن يلتزم بالوعود ،الحقيقة أنه أحب نفسه ومصلحته ولم يحبها ... صدق جود جعلها ترى حلمها أشبه بحقيقة لذا تمسكت به ... ومن يتوقع الغدر من أقرب الناس؟
صحيح أنها عطلت حياتها لبعض الوقت لكنها نجحت نجاح يساوي ويوازي فشله ، فعلاً مثيلاتها كُثر ، يسعدني ويشرفني أن تقتبسي مني ، أسعدني مرورك وأسعدتني إضافتك التي أثرت البوست ، دمت بود غاليتي.

خاتون يقول...

السلام عليكم...

قصص أمان مدرسة بصراحة
حكمة وفن وأدب وقضية

أنت مبدعة وأنا بالتأكيد أحب
أن أقرأ لك ..أكثر وأكثر

موفقة^_^

الحياة الطيبة يقول...

خاتون ،وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته قرأت تعليقك والحقيقة أنه يهب للمرء أجنحة يحلق بها ، شكراً من القلب ، دمت بود غاليتي.