الأحد، 29 مايو 2011

أمان....15












توقف أمان مع صديقه خالد لتناول القهوة وهو يدرك تماماً أن خالد بحاجة لأن يفرغ كم من الضغوط التي يرزح تحتها ,خالد إنسان دمث الخلق هين لين مع الكل وليس فقط مع أهل بيته عندما تنظر إلى عينيه تقرأ فيهما صدق غير طبيعي , خالد نوع نادر من البشر ,يحفظ الذكرى ,وفي ,مهتم بأمر الآخرين ,مرح ....سأل أمان :خالد هل سبق أن أتيت إلى هنا؟







رد خالد:كلا هذه أول مرة ,أنا عادة أذهب لأماكن معينة .







قال أمان : ولم ذاك ؟ التغيير جيد ومهم ,ثم واصل حديثه قائلاً عندما تجرب الجلسة هنا أعتقد أنه سيكون مكانك المفضل .








لاحظ أمان كما لو أن خالد يحاول أن يخفي شيئاً ....نظر أمان في عينيه مباشرة ورسم على وجهه ابتسامة فقهقه خالد بصوت عال وقال :هذه طريقتك القديمة في استخلاص المعلومات ....مضت عشرون سنة ولم تُغيرها.







رد أمان :أجدها نافعة ,ألا ترى ذلك .







قال خالد :هي كذلك ثم ارتشف قهوته.







عندها شعر أمان أن هناك مدخل يستطيع منه أن يصل لما يزعج خالد فقال:








كثيراً ما تأخذنا توقعاتنا لمكان جميل نصطدم بعده بواقع أقل ما يُقال عنه أنه محبط والغريب أننا نتمسك بالتعامل باسلوب غير مجدي ونتوقع أن يتغير الواقع للأفضل من تلقاء نفسه دون أن نتصرف بطريقة مختلفه ,هل هو نوع من التخلف أم هوكسل أو ربما تعودنا عدم تحمل المسئولية وصرنا نرغب بالحلول الجاهزة .... أحياناً تُسيطر علينا العاطفة فنضعُف ولا نعد قادرين على فعل الصواب رغم سهولته ,كل ماسبق يُبقي الوضع على حاله وكما هو ,ثم نتعجب ونتساءل (كيف أصابتنا خيبة الأمل ؟).....قد خذلنا أنفسنا ....كان يجدر بنا أن نقلب المشاعر بالحكمة إلى مشاريع .








أحياناً نكون معرضين لشعور بالحزن نزعم أننا لا نعرف كنهه ولا نملك أن نتغلب عليه لكن الحقيقة أننا نملك كل الإجابات والإمكانات الكافية لنتخطاه .







قال أمان : أنا أُلاحظ مسحة الحزن هذه.







قال خالد:أية مسحة ؟
رد أمان :تلك التي تعلو وجهك .







صمت خالد برهة ....فلم يكن من السهل على خالد أن يتخلى عن ذلك الطفل الشقي داخله ويبدو بمظهر الحزين الضعيف ليلاحظه أمان صديق عمره لكن تلك الهموم الصغيرة تعاظمت حتى أنها حبست الفرحة داخله ,لطالما كان خالد صبور ولطالما كان خير من يستطيع أن يقلب حالته المزاجية السالبة للطرف الآخر النقيض لها على أبسط سبب , أما الآن فالوضع يبدو وكأنه ميئوس منه ....هكذا يبدو فبماذا يجيب ؟ لم يصدق أن الكلمات ضاعت من أمامه ....أطرق ثم أشار بيده وكأنه يؤدي دوراً صامتاً ثم قال :رياح متقلبة أمان ...إخفاقات لا ينجو منها أحد ,ثم أردف : لا أريد أن أُصيبك بالكدر ,ثم أشاح ببصره نحو النافذة وكأنه يعيد تصور ما يحزنه .










تابع ........قال أمان : لاأريدك أن تتوقف ولن يُصيبني الكدر فلا تقلق علي .







خالد: حسناً أشعر بنوع من الإكتئاب , فقدت رغبيتي بالأشياء حتى أنني أرجأت اهتمامي بما كنت أعتبره شيئ أساسي في يومي ويحقق لي نوع من السعادة .







قال أمان: ولم ذاك ؟







خالد: هناك أمور تتطلب الحزم والحسم مع الأبناء وأنا مقصر تقصير شديد وأنا أعني هذه الكلمة و لكنني لا أجيده أو هكذا أظن .







أمان :نعم هكذا تظن ...هو ذاك وهو مجرد ظن وأنت حتماً تُجيد الحزم لكنك لا تُفعله فابحث عن السبب .









صمت أمان قليلاً ثم تابع :الحزم خالد لا يجعلك تخسر الطرف الآخر ....كلا إنه يجعلك تحافظ عليه ,واللين والتساهل والمجاراة وغض الطرف عن الأخطاء لا يجعلك فقط تخسره وإنما تجعله يخسر نفسه ,فلم تعلمه شيئ جيد ولم يستفيد منك وسيظن أن الآخرين مثلك وسيصطدم فيما بعد فيهم ,وتكون قد قصرت في واجبك وأخرجت للمجتمع إنسان غير مسئول وأناني.







أخفض أمان من نبرة صوته وتابع : وظيفتنا في الحياة أن نُخرج أبناء صالحين ما استطعنا ونبذل الجهد ونكابد الصعاب في طريقنا هذا ...هو طريق ليس بالسهل لا لنا ولا لهم لكن نتائجه عظيمة ।.







خالد : مشكلتي في تساهلي .......هم نقطة ضعفي.







قل هم مصدر قوتي , لم لا يكونون مصدر قوتك بدل ضعفك ؟







كيف ؟







كن حازم وعلمهم شيئ جديد ......عرفهم على جانب ثاني من شخصيتك لم يعرفوه وتعامل معهم به ,صدقني سيُغيرون طريقة تعاملهم تناسباً مع ردود أفعالك تجاه التصرفات التي لا تعجبك فيهم ,وعندما يجدون مدى حزمك سيتحولون لمصدر قوة لك ,سيحرصون على أن ينالوا رضاك لأنهم تعلموا من صلابة موقفك أن يحترموك ,ولن تعد حزيناً كما أنت الآن .







ابتسم خالد .....وكأن الحزن سحابة عبرت بسرعة هائلة , أشرق وجهه من جديد وقال: نحتاج لمن يذكرنا عندما ننسى أو تضيع أفكارنا منا بفعل الضغوط ।














قال أمان : نعم هكذا ....أريد أن أرى هذه الإبتسامة دوماً .







شكراً أمان أعدت لي ما كان لي وظننت أنني لا أملكه ,الجلسة معك تغسل الروح من التوتر .







لهذا وُجد الأصدقاء ,عموماً على الرحب والسعة والآن ادفع الحساب .







قال خالد :من عيني







ردأمان: كلا من جيبك .







ضحك وقال:سأفعل .







لا تفعل أمزح معك دعها للمرة القادمة .



















الأحد، 8 مايو 2011

حدث من أحداث حياتي





كانت حولي دائرة كبيرة من المحبين ....ولم أكن أراهم لأنني كنت مشغولة بحالتي الصحية المتدنية والآخذة في الإنحدار فقد كان الشعور بالإرهاق ملازماً لي ....فكرة أنني أعاني من مشاكل في القلب كانت بعيدة






عموماً أشكر الله على هذه الدائرة الثمينة التي أظهرت نفسها بوضوح واحتوتني وحولت محنتي إلى منحة.



عندما تمرض لك أن ترضى أو لا ترضى ,لك أن تصبر أو لا تصبر لكنك بالرضا والصبر ستكون بحال أفضل ....لك وللآخرين ممن يلازمونك ويهمهم أمرك ,لك أن تسعدهم أو تشقيهم ।







نحتاج لفهم كبير ,نحتاج لصبر وعلم نواجه به الخطوب والملمات والمحن نحتاج للإيمان فإن لم نتسلح بقدر كبير منه فما الذي قد ينفعنا ؟وما الذي قد يفيدنا؟ الشفاء كالبحر عندما تأتي أمواجه بصورة جزئية قد لا نلاحظ مدى تقدمها لهدوئها وأحياناً لبطئها لكن ذلك لا ينفي حقيقة أنها قادمة .......فيُغمر الجسد بالعافية ।




في يوم ما شعرت بشيئ من الإعياء وما هي إلا لحظات حتى أضاء الوجود بضوء من نوع لم تألفه نفسي ...ليس تألق ....لا إن الأمر يبدو وكأن الألوان سُلبت من المكان وصار كل شيئ يميل لللون الأبيض ।






سبحان الله تثاقلت الخطوات وبدأ الجسد ينهار وكأنه يعتذر عن الطاعة وتنفيذ حتى الأوامر الصغيرة ويعبر بأسف عن عجز ....هو يوشك أن يوقع استقالته ,ورأيتني أنظر للطرف الآخر من الحياة وأتوجه ببصري وبقلبي للجانب المحتمل مع تلك التي بدت كنهاية ।




استسلمت لما هو آت ورضيت به ونطقت الشهادتين عندما لاحظت أن جوارحي بدأت تنعزل عن الحاضر وسبحان من يغير الأحوال بين لحظة وأخرى ।


كل ما شعرت به كان أعراض أزمة قلبية ....تسارعت أحداث حياتي بعدها ومرت أيامي ...كل يوم فيها لا يشبه ما قبله ,أجريت القسطرة وكنت آمل أن يكتشف الأطباء شيئ بسيط ....هكذا تجري الأمور وهكذا قيل لي ,لكن الأحداث جرت كما أرادها الله وهو الأفضل لي فهو سبحانه يعلم ولا نعلم نرغب في أبسط الحلول وأيسرها ويبقى أن الله يدبر لنا ما يناسبنا .





أثناء خضوعي للقسطرة وبعد أن انتهى الطبيب منها ,وضع حقيقة صادمة بعض الشيئ فقال :شرايينك فاتن مغلقة كلها بفروعها وأمامك حلان إما أن نضع دعامات كثيرة ...وهذا حل يرغب به الكثير من الناس وأما الحل الآخر فهو تبديل الشرايين ....هو حل لا يُرغب به عموماً لصعوبته ....لكنه الأفضل



أجبت بسرعة خاطفة فالتُبدل الشرايين



رد الطبيب :الأمر يبدو وكأنك قد بعت الدنيا ।



لم أُعلق على جملته فالأمر أكبر من أن أمزح بشأنه لكنني دوماً أحب الحلول العملية ।



استدرك طبيبي وقال:هو اختيار موفق।



استعنت بالله وتوكلت عليه ...هي مشيئة الله ,تذكرت وقتها ماكنت أردده (اللهم أحبه إليك أحبه إلي )।




مرت الأيام وبها قليل من الثقل فالطبيب الذي سيجري العملية مشغول قليلاًوالعملية ضرورية بالسرعة الممكنة ...والحقيقة أنني فكرت ربما لن يسعفني الوقت لكن لطف الله صاحبني في كل خطواتي التالية فقد دخل طبيب آخر وقال لي :فاتن لقد قرر الطبيب أن العملية يوم الأربعاء , ثم تابع ...بالتوفيق ।





في كل مرة يدخل فيها غرفتي طبيب أو ممرضة كنت أرسم ابتسامة ...لست أدري لم ؟...ربما لأبُعد عني التوتر حتى صارت سجية لدي ,حتى أنهم صاروا يبادروني بها كلما وقعت عيناهم علي ।




جاء يوم الثلاثاء وأُجريت لي بعض التجهيزات للعملية .....وجاء المقربين لمؤازرتي وتشجيعي ورفع روحي المعنوية ,تصرف بعضهم وكأن شيئ لن يحدث والبعض الآخر كان حزين لدرجة أنه بدا وكأنه ينعى إلي نفسي فصرت أرفه عنه لأُنسيه حزنه .....الحمد لله أنني لم أتأثر بذلك الكم من الحزن




ولما بزغ فجر الأربعاء جاء الإخوة والأخوات والأبناء وصاحبوني لما قبل غرفة العمليات وكنت قد تناولت قرص لمساعدتي على الاسترخاء فصرت أُلاحظ الأضواء التي تتوالى وصوت أُختي التي حرصت أن تؤازني بكلمات تذكرني بها أن الكل معي وأن ما يحدث سيكون ذكرى وأنني سأخرج بإذن الله سالمة .......ثم سمعت صوت يقول لمُرافقي :غير مسموح بالدخول أكثر ,انتظروا هنا




كان من المقرر أن أدخل في السابعة صباحاً وأخرج في الواحدة ظهراً لكن أحياناً تجري الأمور بطريقة لم يتوقعها الإنسان ,خرج الطبيب في الرابعة عصراً وقال : حاولت استخراج عدة شرايين لكنها كانت صغيرة ومُتكلسة لكن الحمد لله وجدنا ما ينفع ونجحت العملية وستخرج بعد أن تُغلق الجروح




أفقت في العناية المركزة ,اكتشفت أنني فقدت جزء كبير من صوتي وجسدي يئن من الجروح ,وكأن سيارة صدمتني للتو والساعة .... كان أصعب شيئ هو شرب الماء فكلما شربته أكاد أختنق به ....ياالله كم هي نعمة أن نتمتع بشرب الماء ,ونخالها شيئ بسيط وهي من أكبر النعم




وجاءت صعوبة ثانية وتحدي جديد ومن نوع آخر وهو استخراج المُخدر من الجسم من خلال الكحة , لنفتح الرئة...نسيت مع وضعي الجديد كيف تكون الكحة وعندما يقول الطبيب (عليك أن تكحي ولا تخافي ) لا أعرف كيف أكح ,لست الوحيدة فقد سمعت غيري من المرضىى يقوم بما أقوم به من هُراء .....وضع محزن مضحك في نفس الوقت ,لقد كنا نصدر أصوات كالخراف وعندما أسمع الآخرين يصدرون هذا الصوت أتذكر نفسي ,سبحان الله هناك أمور كثيرة متشابهة بين البشر ,كان وضع طريف ....اعتبرته طريف .




الأمر المُحزن في وضعي الجديد أن الطبيب قرر أن أُغادر المستشفى بعد اسبوع من إجرائي للعملية خوفاً من إصابتي بالعدوى من المستشفى ....أنا أُدرك أن الطبيب يعرف الأصلح لي لكن تساءلت بيني وبين نفسي (كيف أخرج وأنا في هذا الوضع المُزري ؟....كيف أتعامل مع جروحي ؟) كنت في وضع لا أُحسد عليه ,لكن الأيام أثبتت لي وعلمتني ألا أقلق على شيئ فالله سبحانة ضمن لي أمر الجروح وبعث لي من قام بواجبه على أكمل وجه ।।




في اليوم الثاني والعشرون من إجرائي للعملية كانت لي مراجعة مع طبيبي والذي عندما شاهدني مع بناتي قال مازحاً: أين المريضة ؟



فقلت ببراءة :أنا المريضة ।



ضرب بيده على الخشب وقال بلهجة مشجعة :ماشاء الله



اطلع بعدها على صور الأشعة ثم قال: أريد أن أرى الجروح .....وكانت مدبسة وكنت قلقة بشأن إزالة كل تلك الدبابيس وراغبة بالتخلص منها ,فقلت له راجية بصوتي الذي لا يكاد يبين :متى ستخرجون الدبابيس من الجروح ؟



قال: الآن



فقلت :دعهم يضعون لي المُخدر ।



قال بطريقته المعهودة :من كثرتهم علينا أن نجعلك تنامين يومين حتى نستخرجهم ,ثم أردف لا عليك ,لا تهتمي سأعمل اللآزم ।



استخراج تلك الدبابيس أخذ من الممرضة ساعة ونصف وقد أعانني الله على تحمل بعض الآلآم ......قلت في نفسي أخيراً تحررت من الحديد ....شكرت الممرضة على مجهودها وروحها الطيبة ।




الحمد لله الذي غمرني بلطفه في كل لحظة صعبة مررت بها وشكراً لكل من آزرني ودعمني وسأل عني...شكراً لمن سجل كلمة في المدونة يوم أن كانت للكلمة وزن في نفسي .