اقرأ سورة الكهف ولاحظ لطف الله سبحانه وتعالى في قصة سيدنا موسى والخضر فقد مررت بآيات تشرح ذلك اللقاء المليئ بتفسير بما نسميه نحن محن ,فقد , أو تصرف يبدو بلا فائدة وفي حقيقته الرحمة والحماية والخير الكثير ....لقاء سيدنا موسى عليه السلام بالعبد الصالح (الخضر عليه السلام) لقاء تعلم ,يتعلم منه ما ليس لديه من العلم.
ومكان لقاء سيدنا موسى بالعبد الصالح هو المكان الذي يفقد فيه الحوت ,سار سيدنا موسى بصحبة خادمه يوشع مسافة طويلة حتى وصلا إلى ملتقى البحرين فجلسا عند صخرة وكان معهما حوت (سمكة)..... إنه الحوت الذي أمر الله موسى بأخذه معه قوتا لهما ,فماذا حدث للحوت ؟ لقد أعاد الله سبحانه وتعالى له الحياة وانحدر في البحر واتخذ له طريق مفتوح فيه ورأى الخادم عودة الحياة للحوت ودخوله البحر لكنه نسي أن يخبر سيدنا موسى بما رأى , وبعد أخذهما لقسط من الراحة فارقا مكانهما وأكملا سيرهما وعندما شعر سيدنا موسى بالجوع طلب من خادمه يوشع أن يحضر الغداء فقد أتعبه وأرهقه السفر,هنا تذكر الخادم ماحدث للحوت وقال لسيدنا موسى :أتذكر حين وصلنا للصخرة واسترحنا عندها ؟
نسيت أن أخبرك عن شيئ حدث للحوت .....وما أنساني أن أخبرك بماحدث له إلا الشيطان ,لقد دبت الحياة فيه وقفز في البحر وهذا أمر عجيب .
فقال موسى عليه السلام : إن ما حدث للحوت هو الذي نريده فهذه علامة لي من الله سبحانه وتعالى أعرف فيها مكان العبد الصالح .
فرجع سيدنا موسى مع خادمه يوشع يتبعان آثار أقدامهما ليستدلا على المكان الذي كانا فيه حتى وصلا إلى مكان الصخرة وهناك شاهدا عبدا صالحا من عباد الله سبحانه اسمه الخضر وهو نبي من أنبياء الله ,هذا النبي عليه السلام أعطاه الله رحمة من عنده وعلمه من علمه ....سلم موسى على الخضر واستأذنه بأن يتبعه ليتعلم من العلم الذي علمه الله سبحانه ليسترشد به وينتفع فقال له الخضر :ياموسى لن تطيق الصبر على ملازمتى (صحبتي) وكيف تصبر يا موسى على ما سأفعله من أمور تخفى عليك مما علمني إياها الله ؟
فقال موسى ستجدني إنشاء الله صابر على ما أراه منك ولا أخالف لك أمر ,هنا وافق الخضر وقال لموسى :إن صاحبتني لا تسألني عن شيئ تستغربه أو تنكره حتى أبين لك ما خفي عليك من أمره دون سؤال منك .وافق موسى وانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة فطلبا من أهل تلك السفينة أن يركبا معهم فلما ركبا قلع الخضر لوحا فيها فخرقها فقال له موسى :أخرقت السفينة حتى تغرق أهلها وقد حملونا بغير أجر ؟ لقد فعلت أمر منكر فنظر له الخضر وقال :لقد قلت لك يا موسى من أول الأمر إنك لن تستطيع الصبر على صحبتي .
قال موسى معتذرا:لا تؤاخذني بنسياني شرطك ,ولا تكلفني مشقة في تعلمي منك ...عاملني بيسر ورفق.
قبل الخضر عذر موسى ثم نزلا من السفيتة وبينما هما يمشيان على الساحل إذ شاهدا غلاما (صبي) يلعب مع الغلمان فقام الخضر فقتل الغلام فأنكر موسى على الخضر قتله للغلام .
وقال له :كيف قتلت نفس طاهرة لم تبلغ حد التكليف ولم يقتل نفس حتى يستحق أن يُقتل؟ لقد فعلت أمر منكر وعظيم.
نظر الخضر لموسى معاتبا ....ومذكرا :ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ؟
قال له موسى :إن سألتك عن شيئ بعد هذه المرة فاتركني ولا تصاحبني ....قد بلغت العذر (أنت معذور بشأني )ولم تقصر معي فقد أخبرتني أنني لن أستطيع معك صبرا.
تابعا سيرهما حتى وصلا إلى قرية فطلبا من أهلها طعاما كنوع من الضيافة لكن أهل تلك القرية امتنعوا عن ضيافتهما وبينما هما يمشيان وجدا حائط في تلك القرية مائلا يوشك أن يسقط فعدل الخضر ميله وأصلحه.
قال له موسى :لو شئت لأخذت على عملك هذا أجر ومن هذا الأجر نشتري طعاما فهم لم يضيفونا .
نظر الخضر إلى سيدنا موسى وقال له :هذا وقت الفراق بيني وبينك وسأخبرك بما أنكرت علي من أفعالي التي لم تستطيع أن تصبر على ترك السؤال عنها وإنكارها علي ,أما السفينة يا موسى فقد كانت لأناس مساكين يعملون في البحر عليها باحثين عن الرزق فأردت أن أحدث فيها عيب (الخرق)لأن أمامهم ملك يأخذ ويستولي على كل سفينة صالحة غصبا عن أصحابها ,وأما الغلام الذي قتلته فكان كافرًا وكان أبوه وأمه مؤمنين فخشينا إن لو بقي الغلام حيا لحمل والديه على الكفر والطغيان لمحبتهما أو لحاجتهما له ,فأردنا أن يبدلهما الله سبحانه وتعالى بمن هو خير منه صلاحا ودينا وبرًا بهما ....وأما الحائط الذي أصلحته فإنه كان لغلامين يتيمين في القرية وكان تحته كنز من الذهب والفضة وكان أبوهما رجل صالح فأراد ربك أن يكبرا ويبلغا درجة من القوة ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك بهما ....ولم أفعل كل ذلك عن أمري أو من تلقاء نفسي وإنما فعلته عن أمر الله وهذا هو تفسير الأمور التي لم تستطيع أن تصبر على عدم السؤال عنها أو إنكارها .
عندما تعطب السيارة أو أي جهاز آخر ,عندما تفقد أسرة طفل فإن الإنسان يقابل هذا الحدث باستياء لأنه لم يدرك لطف الله فيه وحبه ,عندما يساعدك أحد ما لا تعرفه في وقت أنت بحاجة فعلاً لتلك المساعدة كأن ينقذك من الموت أو كأن تتعطل سيارتك في منطقة نائية أو تنجو من حادث بإعجوبة فإنك قد لا تدرك أيضا أن ماحدث من لطف الله وحبه ...ربما لأننا وكقصة سيدنا موسى لا نعرف حقيقة الأشياءوتصاريف الأقدار فهي بعلم الله وهو سبحانه وتعالى أعلم بما يصلح لنا وما يناسبنا ...فمن فكر أن موت الطفل خير لوالديه ,من فكر أن موت الطفل يدل على حب الله للوالدين لصلاحهما والله لا يريد أن يكون الطفل سبب لشقاءهما أو سوء عاقبتهما ,من ظن حتى ظن أن موت الطفل رحمة ومكافئة على حسن الدين ؟
عندما تكون في أمس الحاجة للمساعدة ويأتيك شخص لا تعرفه يساعدك ويلازمك حتى تنهي حاجتك فقد بعثه الله لك مكافئة لك ....فقد قدمت عمل صالح وكانت هذه المساعدة من حب الله ولطفه ....كل أمورنا خير وجاءت هذه الآيات لتبين للناس الوجه الآخر لما يسمونه تحديات ففي ظاهرها سلب لكن باطنها فيه من الرحمة واللطف الشيئ الكثير وفيه حب الخالق للمخلوق فما أعظمه من حب .... وما عند الله في الآخرة لمن أحبهم خير وأبقى .
عندما تنفرج عنا شدة فجأة أو يساعدنا أحد ما نقول قد جاء في الوقت المناسب و ننسى أن الله بعثه لنا بالذات ........ لأنه يحبنا.
إن عشنا بهذه الحقيقة فقط لتعاملنا بحب ورضا ولخجلنا من أن نسرف في الحزن على شيئ فاتنا أو شبئ فقدناه ولما استمرينا على معصية أو قصرنا في طاعة ....إن عرف الإنسان مدى حب الله له لخجل من أن يعصيه ..... وتبقى الآيات أكبر وأعظم من أن نستخلص كل مافيها من فوائد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق